شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الأستاذات والأساتذة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نحتفي الليلة بمهابة التاريخ بمعية ضيف أمسيتنا الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر، أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود، سعداء بتكريمه والإسهام في توثيق مسيرته في هذه الأمسية.
تعرف "الموسوعة الحرة" التاريخ بأنه "دراسة الماضي بالتركيز على الأنشطة الإنسانية وبالمضي حتى الوقت الحاضر، وكل ما يمكن تذكره من الماضي أو تم الحفاظ عليه بصورة ما، يعد سجلاً تاريخياً".. وبالرغم من هذه المحاولة لوضع أطر معينة لمسار علمي في كتابة التاريخ إلا أنه يتفلت من تلك الأطر فنجده ملحقاً بكل علم تقريباً.. فهناك تاريخ الطب، وتاريخ الأدب، وتاريخ الاقتصاد، وتاريخ الأجناس والسلالات البشرية، وغيرها.. فهو عباءة فضفاضة تنسحب على كل أمر خارج الزمان والمكان الحاليين.. ولعل هذا التوسع ناشئ عن التطور الحديث نسبياً بالنسبة للتاريخ كعلم له خصائصه ومناهجه؛ فقد كان الأولون يعتمدون على السرد والمشافهة في نقل الأخبار.. فاكتنفها نوع من الخلط عبر التداول غير المنضبط لفترات طويلة.. وتحول الخبر تدريجياً إلى ما يعرف بالأسطورة.. ونالت قسطاً من عدم الاهتمام باعتبارها مجرد تزجية لأوقات الفراغ وضرباً من ضروب القصص الخيالية.
ولم يأخذ التاريخ مكانته العلمية والتوثيقية في العالم العربي إلا بعد ظهور الإسلام، وهي فترة ليست عميقة الغور إذا ما قورنت بتاريخ اليونان والرومان والفرس والهند وغيرها من الحضارات التي سادت ثم بادت.. لذا نجد التاريخ الإسلامي أكثر ضبطاً، حيث عمل المؤرخون على إيجاد مناهج محددة في عملهم لضمان الحيدة والنزاهة والمصداقية.
ولقد تخصص ضيفنا الكريم في التاريخ الإسلامي، وبقدر الشفافية الكبيرة التي حظي بها هذا التاريخ، لم يزل عرضة لكثير من التفاسير التي تنظر إلى الحقائق من منطلقات تختلف باختلاف المؤرخين وتعاطفهم مع كل حقبة من حقب التاريخ.. فنشأ عن ذلك تاريخ يحتاج إلى تصحيح، لأنه مقرون بالهوى وعدم التجرد والإنصاف التي هي من أهم صفات المؤرخ الذي يؤدي رسالته مدفوعاً بإحساس المسؤولية الجسيمة الملقاة على كاهله؛ فكل كلمة ينبغي أن توزن بميزان دقيق، وكل معلومة يجب الوثوق من مصادرها والوقوف عليها، وكل عبارة لا بد من أن تؤدي معناها دون زيادة أو نقصان.
ومع توفر المراجع التاريخية المختلفة، إلا أن هناك مصدراً رائعاً لم يتم الالتفات إليه إلا مؤخراً، وهو تاريخ ما أهمله التاريخ، وأعني به التاريخ المحفوظ في الصدور وذكريات الرجال والنساء الذين عاصروا أحداثاً معينة لكن صوتهم لم يصل إلى المؤرخين ليستنبطوا منه ما يؤكد أو يصحح بعض الأحداث.. وحسناً فعلت دارة الملك عبد العزيز بتتبع هذا المصدر الفريد، وعملت على إرسال فرق مجهزة بمعدات التسجيل والتوثيق إسهاماً مقدراً في حفظ جانب من ذاكرة الوطن للأجيال القادمة.
إن المؤرخ كفرد يكاد يذوب في واسع هو بحر العمل الذي يقوم به، مما استدعى ضرورة التخصص، ثم التخصص الدقيق، وقد اختار ضيفنا الكريم التخصص في التاريخ الإسلامي، والتاريخ الوسيط للجزيرة العربية، بالإضافة إلى تخصصات فرعية: تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وتاريخ أفريقية والأندلس الإسلامي، والعلوم السياسية.. وتشمل بطبيعة الحال رقعة جغرافية كبيرة، إلا أنها تنتظم تاريخياً في سلك واحد تحت مظلة الحضارة الإسلامية، وهو جهد مقدر وعمل مشكور.
لقد نكب العالم الإسلامي خلال العقود الأخيرة بآلية خطيرة لمحو آثاره الحضارية التي أثرت في العالم واستنهضت أوروبا من سباتها العميق في القرون الوسطى لتنهض بها نحو مستقبلها الذي تفخر به الآن.. فجاءت المكافأة بإطلاق قمقم الإرهاب ليدمغ كل عمل يمت إلى العالم الإسلامي بصلة.. وفي تصوري أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى جهود المؤرخين، ومن بينهم ضيفنا الكريم، لإعادة الأمور إلى نصابها، ومخاطبة المجتمعات الغربية والشرقية بلغاتها وفق أسلوب حياتها عن طريق مؤلفات مبسطة وكتب جيب تصلح للقراءة في وسائل المواصلات، والرحلات، وبين طلاب الجامعات.. ليكون التاريخ مصدر إشعاع وامتداد لحاضر يستمد قوته وأصالته من منابع النور الصافي الذي عم الكون آنذاك.. والعمل من ناحية أخرى على انتشال شباب مجتمعاتنا من براثن التغريب والاستلاب الذي ينقادون إليه دون تفكير، متناسين ومتجاهلين تاريخ أمة وبنيان حضارة سامقة كانت سباقة في كل مجالات الحياة، فطورت التقنية، والآلات الدقيقة، ومعدات وأنظمة الري، والفنون المعمارية، وحتى إنها قادت خطوط الموضة، والذوق في المطعم والملبس، فلا يمكن أن تختصر في إهاب الإرهاب والتخلف والاعتماد المطلق على الآخر.
ضيفنا الكريم له ما يقول، بحكم تخصصه ودراسته العليا في جامعة كاليفورنيا؛ فالتاريخ لم يعد مجرد دراسات وأضابير، بل خرج عن شرنقته وأصبح يملي إرادته وإرادة الأمة في الحصول على موطئ قدم تحت الشمس أسوة بالشعوب التي نهضت من ركام الحروب والظلم والقهر، لتقف على قدم وساق وتسهم في تطور الحضارة الإنسانية اعتماداً على جذورها الضاربة في عمق التاريخ، وقيمها التي حافظت عليها فميزتها عن سائر شعوب الأرض.. ولسنا بأقل من تلك الأمم، وكل معوقات انطلاقنا ينبغي أن تزول بأسرع وقت ممكن ومهما كانت التكلفة باهظة فإن المردود حتماً أفضل وأكبر بكثير.
سعداء أن يرعى هذه الأمسية بفضله وعلمه معالي الدكتور مدني علاقي، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق.. وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم للاحتفاء بسعادة السفير الدكتور فينيامين بوبوف، مدير مركز شراكة الحضارات، قادماً إلينا خصيصاً من موسكو، ليلقي الضوء على مسيرته العملية سفيراً لجمهورية روسيا الاتحادية لدى كثير من الدول العربية، ومن ثمَّ عمله مبعوثاً خاصاً من قبل فخامة الرئيس الروسي، حاملاً ملف العلاقات الروسية مع منظمة المؤتمر الإسلامي.. مرحبين بكم وبكل من يتعامل مع الكلمة.
فإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير...
عريف الحفل: شكراً لسعادة الشيخ عبد المقصود خوجه على كلمته الضافية، والكلمة الآن لراعي هذه الأمسية معالي الدكتور مدني علاقي، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء الأسبق فليتفضل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :445  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 121 من 199
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.