شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ إياد مدني ))
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ إياد مدني مدير عام جريدة عكاظ الصحفية فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، أصحاب الفضيلة أساتذتي وإخواني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
- إنه لشرف عظيم حقاً أن أتحدث أمام هذا الجمع الذي يضم أصحاب الفضيلة من العلماء والفقهاء والمفكرين من أعضاء مجمع الفقه الإِسلامي الذي وفقهم الله إلى ما هم فيه وأصبحوا اليوم يحملون على أكتافهم مسؤولية جسيمة أمام خالقهم ثم أمام جماهير الأمة الإِسلامية العطشى لمن يبصرها بشؤون دينها ويعينها على فهم أحكامه والعيش وفق هداه لتكون بحق خير أمة أخرجت للناس.. وكما قال مفكر من مفكري الأمة قبل عشرين عاماً وهو يدعو إلى قيام دار إفتاء إسلامية عامة أو قطرية خاصة يكون لها وحدها حق التحريم والتحليل يقول: الواجب يحتم اليوم على أئمتنا أن يخافوا من السكوت أكثر مما يخافون من الكلام.. فالعالم إذا أفصح بأمانة العالم النزيه عما يعلم، أو عما وصل إليه اجتهاده يؤجر سواء أخطأ أو أصاب فإن له في الحالتين أجر أداء الأمانة ومتاعب الاجتهاد، ولكنه لو سكت عما يعلم أو أراح نفسه من الاجتهاد تسبب في ضياع المجتمع والحكم في مثل هذا السكوت الذي يترتب عليه الضياع واضح فلقد روي عن أبي هريرة من كتم علماً يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار.. فإذا كان نصف العلم قول لا أدري فبلبلة الجماهير تدفع المسؤولين عن التشريع لأداء حق النصف الآخر وهو قول أدري.. ولعل تاريخنا الإِسلامي الممتد عبر السنوات يوضح الفرق بين وجود ذلك الفقيه الذي يتحمل مسؤوليته وذلك الذي يتخلى عنها، والمجمع الفقهي الذي انعقد مؤتمره التأسيسي في مكة المكرمة قبل أكثر من عشرة أعوام بناء على قرار من القمة الإِسلامية يهدف إلى عرض الشريعة الإِسلامية عرضاً صحيحاً وإبراز مزاياها وبيان قدرتها الفذة في معالجة المشكلات الإِنسانية المعاصرة وفي تحقيق سعادة الإِنسان في الدنيا والآخرة وفق تصور شامل للإِسلام بأصوله ومصادره وقواعده وأحكامه على أساس أنَّ الفقه الإِسلامي هو ثمرة تحكيم شريعة الله سبحانه في الواقع الإِنساني بكل أبعاده أو هكذا قالت وثيقة من وثائق المجمع.. بما في ذلك - تقول الوثيقة - تلك القضايا التي تندرج تحت باب الإِسلام وتحديات العصر، كالإِسلام والسلام العالمي، الإِسلام والصدق الإِعلامي، الإِسلام في مواجهة الزيف، الإِسلام في مواجهة العنصرية، الإِسلام ونظام اقتصادي عالمي جديد، وما زال المسلمون ينتظرون من علماء الأمة الأفاضل أن تشمل دوراتهم في هذا المجمع الفقهي النظر في هذه القضايا الكبرى كما شملت النظر في طفل الأنابيب، هذه القضايا التي أصبحت اليوم موقع نظر العالم أجمع، وقضايا تدور حولها طروحات أصحاب الفلسفات والاتجاهات المختلفة ويشكل نقاشها معالم النظام العالمي الجديد الذي لا نريد منه أن يتكون ويتبلور والعرب والمسلمون منه بموقف المتفرج أو القاصر أو العاجز عن الإِسهام والتأثير وإذا لم يكن لهذه القضايا من مكان على جدول أعمال مجمع مثل هذا الذي يضم الصفوة من الفقهاء والعلماء والمفكرين فأين يكون مكانها إذاً؟ وإذا لم يعط أعضاء المجمع الأولوية لقضايا التطور الاجتماعي والعلاقات الاقتصادية فأين ستناقش إذاً؟ وأي جهاد هذا الذي ستقوم به أمة إسلامية ينهك الفساد أوصالها؟ وأي مسلم هذا الذي يستطيع أن يقدم شيئاً لدول العالم الأخرى وهو يعاني من انعدام الحرية أو عدم وضوح العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص الاقتصادية؟ إن المسلمين في البوسنة والهرسك إخوان لنا ويستحقون منا العون وإن هذه الجمهوريات الجديدة تستحق منا العون ولكن القضية في جوهرها هي أن نكون نحن أهلاً لتقديم هذا العون أو أن تكون مجتمعاتنا هي تلك المجتمعات القدوة التي تتوفر فيها الحريات الأساسية للإِنسان وتتوفر فيها العدالة الاجتماعية وتتوفر فيها فرص التكافؤ الاقتصادي، حينئذ، وحيئذ فقط، سنستطيع عونهم، ونستطيع أن نكون القدوة أمامهم، إن من يؤكد على أولوية البوسنة والهرسك والجمهوريات الإِسلامية يهرب من قضاياه الأساسية ويتهرب من مواجهة واجبه الأساسي كمسلم في مجتمعه الذي يعيش فيه وفي محيطه الذي يحياه، تلك هي القضية.. الذي يبعث على التفاؤل عند عامة المسلمين والمتحدث واحد منهم هي ما يلاحظ من تجرد ودقة وعناية وأمانة وشجاعة فيما يجري من تداول حول القضايا التي تجد طريقها لجدول أعمال المجمع المختلفة، وحسب ما هو منشور في مجلة المجمع التي أناشد القائمين عليها أن يوسعوا من دائرتها وعدد ما يطبع منها ويوزع منها.. ومؤسسة عكاظ للصحافة والنشر التي أتشرف بالتحدث باسمها على أتم استعداد أن تطبع عشرين ألف نسخة من كل عدد من أعداد هذه المجلة وتتكفل بتوزيعها على نفقتها.. أقول إن الذي يقرأ ما يدور من حوار حول القضايا المعروضة أمام أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع سيملأ قلبه الاطمئنان بنزاهة الغرض والمقصد والرغبة الحقة في الوصول إلى الحقيقة الشرعية، وأسوق مثلاً على ذلك ما دار من نقاش حول توحيد بدايات الشهور القمرية في دورة المجمع الثانية وكان من ضمن ما جاء من آراء ولن أذكر أسماء هنا ما أورده شيخ من الشيوخ الأفاضل قائلاً: لا أجد في اختلاف علماء الشريعة المعاصرين اختلافاً يدعو إلى الاستغراب بل إلى الدهشة أكثر من اختلافهم في جواز الاعتماد شرعاً على الحساب الفلكي.. ويستطرد قائلاً: وإذا كان الرصد الفلكي وحساباته في السابق لم يكن له من الدقة والصدق ما يكفي بالثقة به والتعويل عليه فهل يصح أن ينسحب ذلك الحكم عليه إلى يومنا هذا؟ وما دام من البديهيات أن رؤية الهلال الجديد ليست في ذاتها عبادة في الإِسلام وإنما هي وسيلة لمعرفة الوقت، فما الذي يمنع شرعاً أن نعتمد الحساب الفلكي اليقيني الذي يعرفنا مسبقاً بموعد حلول الشهر الجديد فنعلم به ويدور نقاش حول هذه النقطة أورد شذرات منه: إذ يسأله شيخ آخر من أعضاء المجلس قائلاً: هل إذا أثبت الحساب إمكانية الرؤية البصرية في مكان معين يشمل هذا جميع أقطار الدنيا التي يمكن أن لا يثبت الحساب فيها نفس الشيء الذي أثبته في الصين مثلاً؟ يجيبه الشيخ: الشريعة خالدة إلى يوم الدين فلا يمكن ولا يوجد في الشرع عندنا كما صرح به العلماء الأوائل أن يربط تكليف بأمر يصعب علمه أو قد يوجد علمه وقد يفقد.. أنا بينت أن الأصل في الرؤية تبقى كأنها هي الأصل لأن هناك حتى إلى يومنا هذا يمكن في مجاهل الأرض وبقاعها يدخل الإِسلام بلاداً ليس لديها علم بالحساب ولكن حيث يوجد إمكان الاعتماد على العلم بصورته التي بلغت بصورتها درجة اليقين هل يصبح جائزاً بل أقول أكثر من جائز واجب إذا كان يتوقف عليه القضاء على هذه الفوضى المخجلة التي أصبحنا بها أضحوكة في العالم الآخر هذه الفوضى إذا كان يخلصنا منها موضوع الحساب اليقيني فيصبح أكثر من جائز بل واجب. يقول شيخ آخر يسأله: الحقيقة إن اختلاف المطالع هو الذي عليه الجمهور وأنتم تفضلتم وقلتم إن الذي عليه الأكثر هو الجائز؛ سيدي إنه في مذهب الإمام أحمد كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة عدم اعتماد المطالع والنصوص موجودة نحن ما نقول في مذهب الإمام أحمد وغيره نحن نقول عبارة الأكثر لكم رأيكم، أنا يكفيني أن نلقى الله برأي إمامين عظيمين ولو خالفهم الأكثر، ما المانع هل يمنعنا الشرع الأعلى على أضيق الآراء وأكثرها حرجاً وأكثرها فوضى، لا أدري من أين هذا أوردت هذا كنموذج لما يدور من نقاش حول قضية عملية إنسانية نناقشها كل سنة في بداية رمضان.. انتهى المجلس بعد هذا النقاش في جلسته المذكورة إلى ما يلي:
- إن المجلس في مجمع الفقه الإِسلامي المنبثق عن منظمة كذا وبعد أن ناقش الحاضرون العروض المقدمة في الموضوع مناقشة مستفيضة واستمعوا الخ.. قرر: تكليف الأمانة العامة لمجمع الفقه الإِسلامي بتوفير الدراسات العلمية الموثقة من خبراء أمناء في الحساب الفلكي والأرصاد الجوية، تسجيل موضوع توحيد بدايات الشهور القمرية في جدول أعمال الجلسة القادمة لاستيفاء البحث فيه من الناحيتين الفنية والفقهية الشرعية، تكليف الأمانة العامة باستقدام عدد كاف من الخبراء المذكورين وذلك لمشاركة الفقهاء في تصوير جوانب الموضوع كلها تصويراً واضحاً يمكن اعتماده لبيان الحكم الشرعي.
- ولم أجد في ما بحثت ما انتهى إليه رأي المجمع بهذه القضية منذ أن ناقشها آنذاك ولكنها على كل حال نموذج لصدق النقاش وتوخي الحقيقة وإن لم تكن نموذجاً على القدرة على الوصول إلى الرأي الواحد الذي يعين هذه الأمة حتى في قضاياها العملية اليومية الحياتية. نحن إذن بحاجة إلى ذلك الفقيه الذي لا يتردد في أن يقول رأيه ونحن أيضاً في حاجة إلى أولويات نطرحها بشجاعة ونحدد فيها قضايانا الأساسية ونحن أيضاً في حاجة إلى أسلوب يمكننا من الوصول إلى اتفاق حول هذه القضايا حتى نهتدي به نحن عامة الناس.
- وفق الله علماءنا ومفكرينا الأجلاء إلى ما فيه خير أمتهم وأعانهم فيه وألهمهم الهداية والبصيرة والتوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :458  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 167 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.