شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أثر الأسس الفكرية والنفسية في بناء الحضارات
لكل حضارة من الحضارات الإنسانية أسس فكرية ونفسية كانت لها من القوة الدافعة والموجهة والمحددة لخط سيرها.
ولذلك لا بد أن تكون المظاهر الحضارية لكل أمة نتائج ملائمة لمجموعة الأفكار والعقائد والتقاليد والعوامل النفسية المهيمنة عليها. يشهد لهذه الحقيقة الأمثلة التالية:
أولاً: كانت الأسس الفكرية عند اليونان الإغريق قائمة على تمجيد العقل، ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس إذ أثمرت لهم خلال قرون علوماً فلسفية ورياضية ونفسية وطبية وفنوناً جمالية مختلفة.
ولما كانت أسسهم الفكرية غير شاملة لحاجات الحياة كلها لم تستطع حضارتهم أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
ثانياً: وكانت الأسس الفكرية عند الرومان قائمة على تمجيد القوة والرغبة ببسط السلطان الروماني على الشعوب، لذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس - إذ أثمرت لهم خلال قرون أعداداً أحياء قوية.. وجيوشاً متقنة البناء حسنة الاستعدادات والتدريبات الحربية وأورثتهم هذه القوة سلطاناً ممتداً في الأرض على شعوب كثيرة غلوها واستعمروها واستغلوا خيراتها، كما أثمرت لهم أيضاً استزراع مجموعة من القوانين والتنظيمات المدنية والعسكرية.
ولما كانت أسسهم الفكرية والنفسية غير شاملة لحاجات الحياة كلها لم تستطع حضارتهم أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
ثالثاً: وكانت الأسس الفكرية عند الفرس قائمة على تمجيد اللذة الجسدية والسلطان والقوة الحربية ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس إذ أثمرت لهم خلال قرون قصوراً فخمة ومجالات كثيرة للترف المفرط، وجيوشاً حربية ذات بأس، بسطت سلطانهم على شعوب كثيرة غلوها واستعمروها، واستغلوا خيراتها.
ولما كانت أسسهم الفكرية والنفسية غير شاملة لحاجات الحياة كلها لم تستطع حضارتهم أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
رابعاً: وكانت الأسس الفكرية عند الهنود قائمة على تمجيد القوى الروحية وتنميتها بقهر مطالب الجسد وكبت غرائزه، ولذلك كانت مظاهر حضارتهم ذات صلة وثيقة بهذه الأسس، إذ أثمرت لهم خلال قرون مجموعة كبيرة من التعاليم الروحية التي أخذت بتطاول الأمد صيغة ملل ونحل وديانات. ووجهتهم للتعلق بالعلوم الروحية المختلفة كالسحر ((وفنون الحيلة الخادعة للحواس)) التي تعتمد على التلاعب بها والتأثير على النفوس من ورائها، ومنحتهم مهارات مختلفة في التأثير على الأحياء الشرسة. فكثر فيهم حواة الثعابين والحيات والعقارب ونحو ذلك من الهوام السامة المؤذية. ولما كانت أسسهم الفكرية والنفسية غير شاملة لحاجات الحياة كلها لم تستطع حضارتهم أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية.
خامساً: أما حضارة القرون الحديثة التي بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر للميلاد واستمرت في نموها المادي تمتد وتنتشر من مهدها في أوروبا إلى كثير من بلاد العالم فأسسها قائمة على تمجيد العلوم المادية والاستفادة من جميع الطاقات الكونية الكمينة والظاهرة لخدمة الجسد ومنحه وافر الرفاهية والمتعة واللذة واختصار الزمن له وتقريب المسافات وتخفيف الجهد عنه ودفع الآلام الجسدية، وقائمة أيضاً على الرغبة ببسط السلطان على الشعوب واستغلال خيراتها وإعداد القوة الكفيلة بتحقيق ذلك بدءاً واستمراراً.
ولذلك نلاحظ أن مظاهر هذه الحضارة الحديثة ذات صلة وثيقة بهذه الأسس، إذ أثمرت لإنسان هذه القرون الحديثة ولمن يأتي من بعده مجموعة كبيرة جداً من العلوم المادية المتطورة المتقدمة ومجموعة ضخمة من المبتكرات والمخترعات التي أفادت الإنسان في مختلف نواحي مطالبه المادية السلمية والحربية ومجموعة ضخمة من النظم والتشريعات الوضعية التي ساهمت في تنظيم علاقات الناس أفراداً وجماعات وأمماً وشعوباً ودولاً، كما أثمرت له ذخائر كبيرة جداً من القوى الحربية الدفاعية والهجومية.
ولا بد منا أن يلاحظ الباحثون المنصفون في هذه الحضارة الحديثة أن أسسها الفكرية غير شاملة لحاجات الحياة كلها، وذلك لإهمالها جوانب مهمة من حياة الإنسان الروحية والخلقية والسلوكية لاستهانتها بالجوانب الفكرية العليا المتصلة بمنشأ الإنسان ومعاده وإبقائه من وجوده.
من أجل ذلك فإن هذه الحضارة الحديثة لن تستطيع أن تعطي الصورة المثلى للحضارة الإنسانية الراقية وربما يكون تقدمها الباهر في وسائل الرفاهية وأعتدة القوة سبباً من أسباب دمارها المذهل إن عاجلاً أو آجلاً.
سادساً: وأما الحضارة الإسلامية فهي الحضارة الوحيدة التي تشتمل أسسها الفكرية والنفسية على حاجات الحياة كلها من مختلف جوانبها الفكرية الروحية والنفسية والجسدية والمادية الفردية والاجتماعية ومن جميع المجالات العلمية والعملية، لذلك فهي جديرة بأن تمنح الأمم التي تلتزم بها وتسير في منهجها سيراً قويماً للصورة المثلى للحضارة الإنسانية الراقية.
وقد استطاعت أسس هذه الحضارة ووسائلها ومناهجها أن تدفع الأمة الإسلامية في حقبة من الدهر للارتقاء في سلم الحضارة المجيدة المثلى على مقدار التزامهم بأسسها ووسائلها ومنهجها السديد. وكانت نسبة الارتقاء الذي أحرزته هذه الأمة نسبة مدهشة إذا قيست بالزمن والطاقات التي تيسرت لهم حينئذ. واستمروا في ارتقائهم المدهش حتى أدركوا الوهن والانحراف عن أسس الحضارة الإسلامية الصحيحة. ووسائلها الفعّالة ومنهجها السديد.
ويظل ارتقاء قمم الحضارة المثلى أبد الدهر رهناً بالتزام أسس الحضارة الإسلامية ووسائلها ومنهجها.
ولكن أعداء هذه الحضارة يوجهون قوى شتى خفية وظاهرة لمنعها من أن تسير في منهجها الإنساني القويم. لذلك فهي في صراع مستمر مع عوامل التهدم والشر والإفساد في الأرض، الأمر الذي يعوق تقدمها ويعرقل سبيلها باستمرار.
نشدان الحقيقة
اقترن الدفع الإسلامي إلى مجد القمم الحضارية بنشدان الحقيقة أنى كانت وطرح الخرافات والأباطيل من أي جهة صدرت وتبصير الناس بالطرق المنطقية السليمة التي تهدي إلى الرشد حقاً كان أو خيراً أو جمالاً. فهو إذ يعرض على الناس الحقائق العلمية والاعتقادية يقدمها إليهم مقترنة بأدلتها المنطقية، وحينما ينكر على الناس خلافاتهم وأباطيلهم الاعتقادية أو غيرها يقيم الأدلة المنطقية على بطلانها ويطالبهم بالأدلة المثبتة لها إن كان لهم أدلة عليها ويناقشهم ضمن الأسس المنطقية السليمة، ومع ذلك فهو لا يعفي أدلته من مناقشات الناس الحرة المنطقية السليمة أيضاً إذا كانت لهم مناقشات حولها.
ويرى أن من كان الحق بيده فإنه لا يخشى عليه من أي بحث أو مناقشة بريئين من الاحتيال والمكر والتضليل والتشويه.
ولذلك نجد في القرآن العظيم حشداً كبيراً من الأدلة المنطقية المثبتة للحقائق والعقائد الإسلامية وحشداً كبيراً من المناقشات والمجادلات للمشركين والكافرين وسائر ذوي المعتقدات المخالفة للحق والجافية للصواب. ويعلم القرآن العظيم المسلمين أن يقولوا لمخالفيهم لدى بحث أي موضوع من الموضوعات الإسلامية ((وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)) وذلك ليشعرهم بالنزاهة التامة في طلب الحقيقة والبحث عنها، وليهونوا عليهم التنازل عن عصيانهم وتقاليدهم وموروثاتهم الفكرية القديمة ويضعوا ما لديهم منها على منصة البحث والنقد وتمييز الحق من الباطل. ويتضمن هذا الأسلوب الإسلامي الرباني تمجيداً رائعاً للعقل الإنساني ومحرراً له من رواسب الخرافات أو الأباطيل وسائر الموروثات الفاسدة سواء كانت اعتقادية أو عملية أو خلقية أو تربوية أو سلوكية فردية أو اجتماعية.
أسماء أنواع الأدلة:
ومن الأسماء التي سمى القرآن بها أنواع الأدلة التي تقدم لإثبات فكرة ما الأسماء التالية:
الاسم الأول - الحجة:
قال الله تعالى في سورة الأنعام قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَة (الأنعام: 149)، وقال فيها أيضاً وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ (الأنعام: 83)، ويطلق اسم الحجة على أي دليل يقدمه صاحب الدعوى سواء كان دليلاً صحيحاً أو دليلاً فاسداً.
ومن أمثلة الحجج الفاسدة حجة منكري البعث إذ قالوا فيما حكى الله عنهم في سورة الجاثية وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (الجاثية: 24) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (الجاثية: 25).
وظاهر أن الاحتجاج على إنكارهم للبعث بعدم إثبات الرسل بآبائهم احتجاج فاسد لا تقوم به حجة صحيحة. فإثبات الرسل للبعث قائم على أدلة منطقية مسندة إلى قدرة الله القادر على كل شيء وإخباره فيما أنزل للناس عن طريق الوحي. وهؤلاء المنكرون لم يستطيعوا أن ينقضوا أدلة الإثبات ولا أن يعارضوها وإنما جاءوا باحتجاج فاسد.
الاسم الثاني - البرهان:
ويطلق لفظ البرهان في القرآن على الدليل القاطع المثبت للحقيقة الذي لا يحتمل النقض.
(أ) قال الله تعالى في سورة النساء يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً (النساء: 147).
فالبرهان الذي جاء من عند الله دليل قاطع لا يحتمل النقض.
(ب) وقال تعالى في سورة المؤمنون وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (المؤمنون: 117).
فمن المعروف أن الذين يدعون مع الله إلهاً آخر لهم حجج ولكنها حجج فاسدة. والمطلوب منهم أن يقدموا براهين. والبراهين هي الحجج القاطعة التي لا تحتمل النقض، ولن يستطيعوا ذلك لأن الحقيقة على خلاف ما يدعون.
(ج) وقد أمر الله رسوله محمداً صلوات الله عليه بأن يطالب اليهود والنصارى ببرهانهم على بعض ما يدعون مما هو مخالف للحقيقة بقوله تعالى في سورة البقرة وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة: 111) ولن يستطيعوا أن يقدموا البرهان على هذا القول.
(د) وكذلك فعل بالنسبة إلى مزاعم المشركين الذين يثبتون مع الله إلهاً آخر قال الله في سورة الأنبياء أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ (الأنبياء: 24).
الاسم الثالث: السلطان.
ولفظ السلطان حينما يراد به الدليل المثبت يطلق غالباً على النصوص الإخبارية أو التعليمية المنزلة من عند الله لأنها منزلة من عند من له هيبة وسلطان على الحقائق كلها الغيبية والمشهودة. فمن ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (آل عمران: 151). فالمراد من السلطان هنا الدليل الشرعي المنزل من عند الله المثبت لما يدعون، ولن يستطيعوا الإتيان به لأن الله لم ينزل شيئاً من ذلك.
ومن ذلك أيضاً قوله في سورة غافر إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (غافر: 56) فهؤلاء الذين يجادلون في آيات الله إذ يجادلون بحجج باطلة ولن يستطيعوا أن يجادلوا بسلطان جاءهم من عند الله لأن الله لم ينزل شيئاً من ذلك ينقض به دلائل آياته.
أعجبني ما كتبه الأستاذ في هذا المرجع فنقلته إليكم.
وإن هذه المقدمة التي تقدمت بها ليست إبداعاً ولا بدعة.. وإنما هي لمحات صوّرتها المراجع فلم يفتني تصورها لأقوم بدوري في تصويرها.. فلست من السراق.. ولست من الذين يحملون الأوراق فلا يذوقون منها الترياق. بين هذه المراجع:
ـ فجر الحضارة في الشرق الأدنى، لمؤلفه هنري فرانكفورت ترجمة ميخائيل خوري.
ـ أثر العرب في الحضارة الأوروبية لمؤلفه المرحوم عباس محمود العقاد.
ـ أثر العرب في الحضارة الأوروبية (نهاية عصر الظلام وتأسيس الحضارة الحديثة) لمؤلفه الأستاذ جلال مظهر.
هذه المراجع هي التي سأدعها تتكلم.. وليكن مفهوماً أن لفظة العربي الواردة بالنسبة للحضارة لا تعني إلا الإنسان الوسيط حامل الدين الوسط من أمة وسط لا تعني إلا المسلم.. وإن كانت وبالتحديد لا تحرمه من صناعة الحضارة في أجيال سحيقة.. فإنسان هذه الأرض هو العربي لا غيره.. لعلّه لم يكن أول من صنع الحضارة.. وإن كان الأول في الأولين من صناعها.. صنعها في وسط هذه الأرض جزيرة العرب.. وحملها المنتشرون من أبناء هذه الأرض.. فالانتشار بالإسلام وله لم يكن جديداً.. فقد انتشر العربي بالإسلام في القرون البعيدة.. صنع الحضارة عادياً.. ثمودياً. طسميا. جديسياً. نبطياً. رسيًّا. فينيقياً. كلدانياً. آرامياً.. بابلياً. فرعونياً وحتى بربرياً.
وكتب هنري فرانكفورت في مقدمة كتابه ((فجر الحضارة في الشرق الأدنى)):
لو أردنا وصف مولد الحضارة في الشرق الأدنى وصفاً تاماً شاملاً لما كفانا سفْر يبلغ بضعة أضعاف هذا الكتاب، غير أننا ركزنا البحث حول التجديدات والتغيرات الاجتماعية والسياسية التي يتضح فيها التطور العظيم الذي حصل.
ومع أن هذه التغيرات تؤثر تأثيراً مباشراً فعّالاً في القضايا التي تنشأ عن ظهور المجتمعات المتحضرة الأولى إلا أنها قد نالت اهتماماً دون ما نالته التغيرات الملازمة لها في ميادين التقنية والفنون ومظاهر الدين أو اختراع الكتابة.
ولأن التطورات التقنية والفنية تلقي كثيراً من الضوء على الأحوال الاجتماعية والسياسية فإننا قد أخذناها بعين الاعتبار، لكننا لم نحاول وصفها بالتفصيل، وإنما أبقينا موضوعنا ضمن إطار محدود لأننا عُنينا في الدرجة الأولى بتفسير كلمة الحضارة تفسيراً دقيقاً، ذلك أنه إن صح اعتبار كلمتي ((الحضارة)) والثقافة مترادفتين في الاستعمال العام وعليه يصبح كل تفريق بينهما تفريقاً كيفياً، فإن هنالك أسباباً لغوية للتفريق في استعمالها. إن كلمة ثقافة بما فيها من تأكيدات على شيء لا يمكن تبريره شيء نما من نفسه ولم يصنع، هي الكلمة المفضلة الأثيرة عند الذين يدرسون الشعوب البدائية.. أما كلمة حضارة فتروق لأولئك الذين يعتبرون الإنسان مخلوقاً سياسياً بالدرجة الأولى. وبهذا المعنى نود نحن أن يفهم موضوعنا.
هنالك سؤال يتعلق بالمنشأة، بأصل الحضارة، وهذا سؤال تركناه بغير إجابة وسيرى القارئ أننا لم نُعن كثيراً بقضية المنشأ والأصل بل حاولنا أن نكشف عن جذوع حضارتي مصر وما بين النهرين لا عن جذورهما.. إلى أي حد يمكننا أن نتعرف إلى جذورهما وما هي القوى التي أوجدتهما؟.. أعتقد أن على المؤرخ أن يعتبر هذا السؤال سؤالاً تستحيل الإجابة عنه فإن محاولة الإجابة عنه، لا بد من أن تؤدي به نحو تأملات شبيهة بالتأملات والتخمينات الفلسفية أو أن تغرر به ليعطي أجوبة غير علمية. ومثل هذه الأجوبة الخاطئة هي التي سببت الأذى الأكبر.. ففي كل مرة كانت تحدث تغيرات وتطرأ تجديدات كالزيادة في إنتاج الطعام أو التحسينات التقنية (وكلاهما في الواقع حدث في الزمن الذي أخذت تظهر فيه الحضارة) كنا نفترض أن هذه التغييرات تفسر لنا كيف أصبحت الحضارة ممكنة. ومثل هذا الرأي الخاطئ يقطع الطريق على فهم أكثر عمقاً وشمولاً. وهذه كلمات هويتهيد تنطبق على الماضي والحاضر معاً. يقول هذا الفيلسوف: ((في كل عصر من العصور التي تتميز بنشاط كبير نجد أن من بين العوامل التي دفعت بالإنسان إلى بلوغ الذروة نظرة كونية عميقة يؤمن بها الناس إيماناً عميقاً. وهذه النظرة الكونية الشاملة لها أثرها في الدوافع والحوافز التي تسيّر الناس. إن هذه النظرة الكونية الشاملة يعبَّر عنها تعبيراً جزئياً، أما تفاصيل هذا التعبير فتظهر في شكل أسئلة معينة.. تخفي وراءها اتفاقاً عاماً على مبادئ أولية تكاد تكون من الوضوح بحيث لا يُحتاج للتعبير عنها، ومن الشمول والإحاطة بحيث لا يمكن التعبير عنها. وفي كل فترة نجد شكلاً عاماً لنُظُم التفكير، وهذا الشكل شفاف وعام وضروري جداً كالهواء الذي نستنشقه حتى أننا لا نستطيع التنبه له إلا بعد جهد متناهٍ. هذا هو الجهد الذي لا يستطيع المؤرخ أن يتنصل منه، كما أنه لا وسيلة مختصرة لفهم الماضي القريب بدونه، لكنني أعتقد أن الدراسة المقارنة للمظاهر المتوازية تؤدي بكل تأكيد إلى توضيح الشكل الظاهر والضمني)).
أما ما كتبه الأستاذ عباس محمود العقاد في ((أثر العرب في الحضارة الأوروبية)) فهو ما يلي:
((الأصالة قدر مشترك بين جميع الحضارات، فكل حضارة أبدعت ونقلت وكانت لها سمة تميزها بين الحضارات العالمية، ولم توجد قط حضارة تفردت بالإبداع أو تفردت بالنقل خلت من السمة التي تميزها بين سمات الحضارة)).
إلا أن البدعة الحديثة التي نشأت حول الآرية والسامية قد جنحت بالأوروبيين منذ ظهرت فيهم إلى اختصاص الحضارة العربية بالنقل دون الإبداع.. وحببت إليهم أن يميزوا عليها حضارات الأمم الآرية - ولو كانت شرقية يملكها الإبداع والتفكير الحر ولا سيما في المباحث النظرية التي يراد بها العلم للعلم ولا يراد بها العلم للتطبيق أو للانتفاع به في مرافق المعيشة لأن تمييز الشرقيين الآريين ينتهي إلى تمييز العنصر الأوروبي في أصوله الأولى وهي الدعوى التي يسوغ بها سيادته على أمم العالمين.
إلا أن القول بأن العرب الذين وفدوا إلى بلادهم لم يبدعوا شيئاً غير ما أبدعه السومريون هو محض تخمين وتظنين لأن العالم لم يتلق عن السومريون أثراً من آثار حضارتهم في حينها، ولما اتصلت العلاقة بين بلادهم وما جاورها كانت السمات العربية ظاهرة في معدن اللغة وعادات الاجتماع ومزايا التفكير. فلا موضع هنا للجزم بأن العرب نقلوا ولم يبدعوا وأن السومريون قبلهم أبدعوا ولم ينقلوا، مع جهلنا كل الجهل بما أبدعوه وما نقلوه.
أما في العهد الإسلامي فقد اشتركت الأمم الأعجمية حقاً في أمانة الثقافة، وكان لفضلائها قسط عظيم في مختلف العلوم والدراسات، ولكنها لم تنهض هذه النهضة إلا بعد ظهور الإسلام فيها، ولم تكن لها في إبان مجدها القديم فضيلة على العنصر العربي في الدراسات النظرية التي يراد بها العلم للعلم ولا يراد بها العلم للتطبيق أو للانتفاع به في مرافق المعيشة.
وليس كل ما انتقل على أيدي الحضارة الإسلامية عربياً محضاً في الأصول والفروع. ولكن حسبها أن لم ينقطع على أيديها فاتصلت بفضلها وشائجه بالتاريخ القديم والحديث فحفظت تراث الإنسانية كلها وزادت عليه ونقلته إلى من تلاها. وكل حضارة صنعت ذلك فقد صنعت خير ما يطلب من الحضارات ومن طلب إليها أن تلتقي كل ما تقدمها، أو هو قد طلب إليها ما يناقض الحضارة في فضيلتها الكبرى وهي فضيلة السماحة والحرص على تراث بني الإنسان)).
أما الأستاذ جلال مظهر فقد أورد هذه الحقائق التاريخية في كتابه ((أثر العرب في الحضارة الأوروبية)) أنقلها في الذي يلي:
((بلاد العرب كما عرفها المؤرخون القدماء هي الامتداد الشاسع من الأراضي المترامية من سوريا وبلاد ما بين النهرين في الشمال إلى اليمن وحضرموت في الجنوب.. وهذه المنطقة العظيمة من الأرض المختلفة المناخ والبيئات أنبتت حضارات قديمة كثيرة سواء في الشمال أم في الجنوب وكان لهذه الحضارات شأن وأي شأن في تاريخ التقدم الإنساني، أما الشعوب التي سكنت تلك البقاع الشاسعة المترامية وأقامت تلك الحضارات المختلفة مقومات حضاراتها. ولقد أطلق الكتاب على هذه الشعوب تسمية جزافية فسموها بالشعوب السامية أو الجنس السامي نسبة إلى سام بن نوح معتمدين على ما جاء في التوراة. والحق أنه لا ينبغي لنا نحن العرب أن نستمر في إطلاق هذه التسمية على تلك الشعوب. ذلك أن هذه التسمية لا تؤدي في الواقع إلا إلى بلبلة تاريخية، ونحن الآن أحوج ما نكون إلى الكشف عن ذاتنا أو معرفتها وتحقيق أثرها التاريخي تحقيقاً صحيحاً وخاصة فيما يتعلق بالشعوب التي تعتبر الأرومة الأساسية في وجودنا كشعوب عربية نحن الاستمرار الطبيعي التاريخي لها، وإذن ينبغي أول شيء أن نضع حداً لهذه التسمية التي لا تتلاءم لا مع الواقع ولا مع أمانينا القومية)).
أما إذا رفضنا هذه التسمية فأي تسمية إذن ينبغي أن نطلقها على تلك الأقوام؟ أعتقد - وأعتقد أني مصيب - مع من يعتقدون بأن تسميتهم بالجنس العربي إنما هي أقرب شيء للصواب وأن ذلك هو الأنسب قطعاً من الوجهة التاريخية ونحن إذا ألقينا نظرة على تاريخ هذه الأمة القديم لوجدنا أن شعوباً كثيرة خرجت من بلاد العرب سواء من قلب الجزيرة ذاتها أم من الصحراء السورية شماليها - وهذه الصحراء كانت تعتبر دائماً جزءاً لا يتجزأ من بلاد العرب - وكونت حضارات كثيرة أخذت أسماء مختلفة.
موقف الإسلام من العمل الصناعي والعمراني والاختراع والابتكار للعمل الصناعي والعمراني المتقدم المتطور بالاختراع والابتكار أركان أربعة:
الركن الأول:
العلم الذي يعتمد على وسائل الاختبار والتجربة والاستنباط، وموقف الإسلام منه - كما سبق - موقف التعريض والحث وفتح كل مجالات المعرفة أمام المسلمين الملتزمين بإسلامهم إلا ما كان من هذه المجالات مزلقاً من مزالق الشر والأذى كالسحر.
الركن الثاني:
التخيل الذي يرتبط به الابتكار والاختراع والتخيل أفق من آفاق البحث العلمي الذي من شأنه أن يتناول الأشياء الموجودة بالدراسة والأشياء غير الموجودة من الممتلكات العقلية بقوة التخيل من جهة، وبمعالجة الأشياء بالتحليل والتركيب والجمع والتفريق والامتحان والاختبار من جهة أخرى. وموقف الإسلام من هذا الركن موقف الدفع والتحريض.
الركن الثالث:
اعتبار كل ما تصل إليه القدرات الإنسانية في هذا الكون الواسع الأرجاء مسخراً لمنفعة الناس ومباحاً لهم، وهذا الركن مما أعلنه الإسلام وحرص عليه.
ولا ضرر يكون منه ولا شر يخالطه كان من شأن النصوص الإسلامية أن تحمل دلالات قوية وصريحة تكشف هذه الخطة توضحها للناس.
إن إعلان تسخير ما في السموات وما في الأرض جميعاً للإنسان يتضمن بشكل قوي الدافع البالغ للعمل الصناعي الانتفاع من هذه المشجرات - لأنه لا يستطاع الانتفاع بكل هذه المشجرات الكبرى، ما لم تدخل فيها يد العمل بالجني، أو بالاستنتاج، أو بالتعمير أو بالتصنيع أو بالتحليل أو التركيب والجمع والتفريق والاختبار والتجربة - والتخيل والاستنباط - والاختراع والابتكار ونحو ذلك.
ثم نجد في النصوص ما هو أكثر صراحة مما سبق.
1 - أليس في قول الله لنوح عليه السلام فيما قصه علينا في سورة هود وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا (هود: 37) أمر من الله لرسول من رسله لصياغة مخترع جديد لم يكن الناس على علم به، وقد أحاطت هذا المخترع الجديد عناية الله ورافقه وحي منه، يدل على هذا قوله تعالى بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فإنه دعوة للاختراع والابتكار والعمل الصناعي أقوى من هذه الدعوة؟
ولقد كان الملأ من قوم نوح يمرون عليه وهو يصنع الفلك فيسخرون منه. قال تعالى في سورة هود وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (هود: 38).
2 - وقوله تعالى في سورة الحج أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (الحج: 65).
3 - وقوله تعالى في سورة الجاثية اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.. وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الجاثية: 12 - 13).
وفي هاتين الآيتين نلاحظ أن الله تبارك وتعالى قد ذكر طائفة من المسخرات للناس في الطبيعة وذلك في قوله سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ (الحج: 65) وقوله سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ (الجاثية: 12) وقوله وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (الجاثية: 13) وذكر طائفة من المسخرات التي دخلت فيها يد الصناعة الإنسانية في قوله وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ (البقرة: 164) وذلك لأن هذه المصوغات ما كانت لتستطيع تأدية وظائفها لولا القوانين والسنن الدائمة التي طبع الله الأشياء عليها وجعلها مسخرة لينفع بها الإنسان. وفي هذه النصوص ونظائرها نلمح مبلغ الدفع الإسلامي السديد إلى العمل الصناعي والعمراني والاختراع والابتكار.
والعمل الذي يرتبط به الإنتاج الصناعي والعمراني والمستند إلى العلم وتحريض عوامل الإنتاج والاختراع والابتكار هو الركن التطبيقي الذي لا يتم التقدم المادي والحضاري إلا به.
ولما كانت خطة الإسلام التي رسمها الله للناس محتوية على فسح مجالات التقدم المادي والحضاري الخير، الذي لا إثم فيه، ولا ضرر فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (هود: 39) وبهذا نلاحظ أن نقطة البداية لبناء السفن الحربية قد كانت وحياً إلهياً لرسول من رسل الله - وهداية ربانية للناس دفعهم الله بها إلى طريق العمل الصناعي الضخم لركوب البحار والابتغاء من فضل الله على فنونها. وما يعرضه القرآن من أحوال الرسل وما أوحاه إليهم مما لم ينسخه بحكم جديد إنما يعطي الله به صورة للإسلام والحق الذي اصطفاه الله للناس أجمعين والذي بدأه بما أنزله على آدم عليه السلام وختمه بما أنزله على محمد صلوات الله عليه.
2 - أليس في قوله تعالى في معرض الحديث عن داود عليه السلام في سورة الأنبياء وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ..وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ (الأنبياء: 79 - 80) بيان واضح من الله أن اختراع دروع الحرب وصناعتها قد كانا بتعليم من الله لداود عليه السلام بتحريض له على أن يصنعها بيديه وهو نبي من أنبيائه لتكون حصناً للمؤمنين من بأس الكافرين.
ولم يكتف الله تبارك وتعالى بذلك، ولكنه أمر داود عليه السلام أن يتقن صناعته ويحكمها فقال له كما قص علينا في سورة سبأ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ.. أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً.. (سبأ: 10 - 11).
الركن الرابع:
العمل الذي يرتبط به الإنتاج الصناعي والعمراني والاختراع والابتكار، وهذا الركن مما حرص عليه الإسلام أيضاً.
وبقليل من التأمل في نصوص الإسلام نجد أنه قد حرض القدرات الإنسانية على أن تستفيد من كل ما في هذا الكون وحض على العلم والاختبار والتجربة والاستنباط والاختراع والابتكار والعمل الذي يرتبط به الإنتاج الصناعي. وحين ننظر إلى الركن الثالث، وهو اعتبار كل ما تصل إليه القدرات الإنسانية في هذا الكون مسخراً لمنفعة الناس ومباحاً لهم بشيء من التفصيل، نجد أن الأدلة عليه من النصوص الإسلامية كثيرة منها النصوص التالية:
1 - قوله تعالى في سورة البقرة ممتناً على الناس هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً … (البقرة: 29).
ففي هذا النص دليل واضح على أن جميع ما في الأرض مسخر بإرادة الله وإذنه لمنفعة الناس. وحينما يحرم الإسلام على الناس بعض الأشياء فإنما يحرم عليهم أن يستعملوها لأنها تضرهم. فالإسلام بهذا الحديث الصحيح هو ((لا ضرر ولا ضرار)). أما إذا استعملوها في أمور أخرى نافعة غير ضارة فلا تحريم ولا منع. ومن أمثلة ذلك الكحول، فقد حرم الإسلام شربها ولم يحرم استعمالها في تحليل المواد الكيميائية وغير ذلك من أمور كثيرة تنفع الكحول فيها ولا تضر، وعلى هذا أصر الأستاذ السلفي محمد رشيد رضا صاحب المنار.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1108  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 790 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ترجمة حياة محمد حسن فقي

[السنوات الأولى: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج