شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مجاري السيول وفضلات المياه بمكة (1)
سيول مكة والتاريخ:
التاريخ المكي ملآن بأخبار السيول، وليس هذا يرجع إلى الاعتناء بسرد حوادث التاريخ جليلها ودقيقها، فإن هذا مع الأسف غير معتنى به، ولا تزال المكتبة العربية مفتقرة إلى تاريخ صحيح جامع يعبر عن الحجاز وأحواله في جميع عصوره التاريخية تعبيراً صادقاً.
وأمر الاعتناء بأخبار السيول يرجع إلى أن السيول كان لها تأثير ظاهر في المسجد الحرام وعمارته، والمعروف عن المؤرخين الحجازيين أنهم اعتنوا بأخبار المساجد والمآثر أكثر من اعتناءهم بأي شيء آخر، إذ قل أن تجد مؤرخاً حجازياً لا يسرد لك التطورات التي مرت على الكعبة المطهرة، والمسجد الحرام ومقاساتهما وبناياتهما ووصفهما وغير ذلك. وهذه العناية ترجع في أسبابها الجوهرية إلى علاقة هذه الأماكن المشرفة بالدين الإسلامي الحنيف واتصالها به اتصالاً وثيقاً.
وإذا عرفنا أن الكعبة المعظمة تصدعت في عام 1039هـ وانهار الجانب الشامي، وبعض الشرقي والغربي من تأثير السيول، وأن المسجد الحرام كان عرضة لسيل وادي إبراهيم، وأن بنايته كثيراً ما تصدعت بسبب ذلك، إذا عرفنا هذا أدركنا أن الاعتناء بسيول مكة وحصرها أمر عادي لعلاقة هذه الحوادث بالمسجد الحرام وقبلة المسلمين.
مرور السيول في المسجد:
يحدثنا التاريخ أن المهدي بن أبي جعفر أحد خلفاء العباسيين حج عام 164هـ فكره أن يرى الكعبة في شق من المسجد الحرام، وأحب أن تكون متوسطة، فاعتزم توسعه المسجد من جانبيه الغربي والجنوبي، واستشار المهندسين فقرروا أن سيل الوادي يحول دون ذلك وأن تحويل الوادي لا يوصلهم إلى الغاية المطلوبة، ولكن المهدي صمم على تنفيذ نيته فنفذت. وكان أحسن حل توصل إليه المهندسون إذ ذاك أن جعلوا للسيل ممراً من نفس المسجد الحرام، فوسعوا باب بني هاشم (المعروف اليوم بباب علي، وباب باناجه) لأنه كان يومذاك يستقبل الوادي، وجعلوا له باباً بإزائه في الجانب الغربي بأسفل مكة (حققه ابن ظهيرة بباب الحزورة، وهو المعروف اليوم بباب الوداع) حتى إذا ما جاء سيل الوادي بقوة دخل من باب بني هاشم وخرج من باب الحزورة.
تغيير هذا الوضع:
ولكن هذا البحث غير في تاريخ لا يزال مجهولاً لدينا، فبدلاً من خروج السيل من باب الحزورة صار يخرج من باب إبراهيم، والشيء الذي نجزم به أن تغيير هذا الوضع حدث قبيل القرن العاشر الهجري، إذ أن ابن ظهيرة (صاحب كتاب الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف) أدرك في صغره خروج السيل من باب إبراهيم، وابن ظهيرة توفي في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري.
مجاري السيول والتاريخ:
ومع شدة عناية المؤرخين الحجازيين وغيرهم بأخبار السيول والمسجد الحرام، فقد أغفلوا أخبار السيول التي أنشئت لها، وقد لقيت مصاعب كثيرة في بحثي هذا، وأخيراً اعتمدت على تحقيقاتي النظرية أكثر من اعتمادي على أي شيء آخر، إذ الاعتمادات التاريخية الصادقة تكاد تكون مفقودة عن هذا البحث. نعم إن بعض المؤرخين الحجازيين وغيرهم أشاروا إلى مجاري السيول، ولكنها إشارات بسيطة وغامضة ومع ذلك فقد أنارت لي الطريق فاهتديت بها بعض الاهتداء.
"للبحث صلة"
مكة: ابن عبد المقصود
جريدة (أم القرى): العدد: 585
يوم الجمعة 28 ذو القعدة سنة 1354هـ
الموافق 21 فبراير سنة 1936م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1889  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 35 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.