شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المياه بمكة في أدوارها التاريخية (4)
فحص العيون:
وقف عمل السيدة زبيدة عند الحدّ الذي ذكرناه، فبقيت عين نعمان مقتصرة على عرفات، وكان يتسرب إليها الخراب من السيول، فكان تارة يلتفت إليه بعض أهل الخير من ملوك المسلمين وأغنيائهم، وأخرى يهمل أمره فيقاسي الحجيج آلاماً شديدة في عرفة ومنى ومكة وسنأتي على ذلك في محله.
وفي سنة 965هـ قلّت الأمطار فيبست العيون، ونزحت الآبار، فكانت سنوات عجاف انقطعت فيها العيون إلا عين نعمان فإنها لم تنقطع، ولكن قلَّ جريانها، فتعرضت أحوال المياه إلى الدولة العثمانية فصدر الأمر بفحصها، وأجمعت الآراء على أن أقوى العيون عين نعمان، وأن دبولها موجودة على ظهر الأرض إلى بئر زبيدة ومن بعدها تحت الأرض. يقول القطبي، وهو من معاصري ذلك الإصلاح: "وإنها مخفية تحت الأرض (أي الدبول) وأنها تحتاج إلي الكشف عنها والحفر إلى أن تظهر لأن زبيدة لما بنيت الدبول من عرفة إلى بئرها المشهورة خلف منى التي جميعها ظاهرة على وجه الأرض، فالباقي أيضاً من ذلك المحل إلى مكة مبني أيضاً إلا أنه خاف تحت الأرض، واستغنى عنه بعين حنين، وتركت هذه فطمست وغفل عنها، هكذا ظنوا وخمنوا وقدر لذلك، 30.000 دينار، إلى أن قال: وهذا الذي تخيلوه من وجود بقية الدبل تحت الأرض لم يوجد في كتب التاريخ وإنما أداهم إلى ذلك مجرد الظن بحسب القرائن".
عمل الأمير إبراهيم:
وعند ذلك استشارت أرباب الخبرة فيمن تنتدبه للقيام بهذا العمل، فأشاروا عليها بالأمير إبراهيم بن تكرين أمين الدفاتر بديوان مصر (والقطبي يقول إبراهيم بن تغري بردي ولعلَّه تحريف من الناسخ) وأعطته خمسين ألف جنيه، فوصل إلى جدة يوم 23/11/969، يقول القطبي: "وأُتي بآلات العمارة من مصر من مكاتل، ومساحي، ومجاريف، وحديد، وبولاد، ونحاس، ورصاص، وغير ذلك".
وبدأ عمله بعد الكشف على الدبول، وخيَّم في الأوجر من نعمان، وكتب في هذا العمل نحو ألف نفس من العمّال والبنائين والمهندسين وخدام العيون والآبار من مصر والشام واستامبول، وعين لكل طائفة قطعة من الأرض لحفرها وتنظيف ما فيها، واستمر في عمله إلى أن وصل إلى بئر زبيدة. يقول القطبي: "واستمر هذا الجد والاجتهاد إلى أن اتصل عماله بعمل زبيدة إلى البئر التي انتهى عملها إليها، ولم يوجد بعده دبل ولا آثار عمل، وضاق ذرعه بذلك وعلم أن الخطب عظيم، والعمل كبير، إلى أن قال: فانه يحتاج من بئر زبيدة على دبل منقور تحت الأرض في الحجر والصوان طوله ألفا ذراع بذراع البنائين حتى يصل بدبل عين حنين وينصب فيه، ويصل إلى مكة، إلى أن قال: وصار لا يمكن ترك ذلك بعد الشروع فيه حفظاً لناموس السلطة الشريفة، فما وجد الأمير إبراهيم حيلة غير أن يحفر وجه الأرض ألي أن يصل إلى الحجر الصوان ثم يوقد عليه بالنار مقدار مائة حمل من الحطب الجزل ليلة كاملة في مقدار سبعة أذرع في عرض خمسة أذرع من وجه الأرض، والنار لا تعمل إلا في العلو لكونها تعمل عملاً يسيراً من جانب السفل مقدار قيراطين من أربعة وعشرين قيراطاً من ذراع، فيكسر بالحديد إلى أن يوصل إلى الحجر الصلب فيوقد عليه بالحطب الجزل ليلة أخرى ألي أن ينزل في ذلك الحجر مقدار خمسين في العمق في عرض خمسة أذرع إلى أن يستوفي ألف ذراع على هذا الحكم، وذلك يحتاج إلى عمر نوح، ومال قارون، وصبر أيوب، وما رأى عن ذلك محيصاً، فأقدم عليه إلى أن فرغ الحطب من جميع جبال مكة فصار يجلب من المسافات البعيدة، وغلا سعره، وضاق الناس بذلك، وتعب الأمير إبراهيم لذلك، وذهبت أمواله وخدامه وأولاده ومماليكه، واستمر على ذلك إلى أن قطع من المسافة ألف ذراع وخمسمائة ذراع بالعمل، وصار كلما فرغ أرسل وطلب مصروفاً آخر إلى أن صرف أكثر من خمسمائة ألف دينار ذهباً، إلى أن قال: وجاءه الأجل فمضى إلى ربه في ليلة الاثنين ثاني رجب سنة974هـ".
فالقطبي صاحب هذه الرواية من المعاصرين لهذا العمل، ومن صفة هذا نعرف الصعاب التي لاقاها الأمير إبراهيم والمشاق التي تكبدها في عمله، ونفهم جيدا الأسباب القاهرة التي أوقفت السيدة زبيدة عن إتمام مشروعها الذي لا نعتقد إلا أنها كانت تريد إيصاله إلى مكة فحالت دون ذلك الموانع، كما أننا لا نشك في أن ما قام به الأمير إبراهيم من التغلب على تلك المصاعب كان مساقاً إليه بداعي الضرورة والجبر، ويعلِّل القطبي ذلك بقوله:"وصار لا يمكن ترك ذلك بعد الشروع فيه حفظاً لناموس السلطنة الشريفة "،وهذا شيء نتيقنه. ولا نشك به أبداً.
"للبحث صلة"
مكة: عن ابن عبد المقصود
جريدة (أم القرى): العدد:520
الجمعة 23 شعبان سنة 1353هـ
الموافق 30 نوفمبر سنة 1934م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2170  التعليقات :1
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 13 من 122
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج