شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
سلسلة من المناضلين
وقد ذكرت أن فؤاد مفرج وصديقنا وصديقه فخري الشيخ قد كانا متبتلين في الدعوة إلى تحرير فلسطين من وعد بلفور، وأنهما قد شدّا الرحال بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، وأخذا يتنقلان بين جامعاتها وكلياتها وتجمّعاتها ودور صحافتها، وأنديتها، وبين الجاليات العربية المهاجرة والمقيمة فيها، يحاضرانه ويكتبان، ويحاوران كل من أتاحت لهما الفرصة بلقائه عن القضية العربية وعن قضية فلسطين، وقد كتبت الصحف الأمريكية يومئذ عنهما ما أوغر صدور الصهيونية في عقر دارها (أمريكا)، فتتبعتهما في كل مكان بأعوانها يشاغبونهما إذا اجتمعا وألقيا خطباً وتحدّثا بحديث، حتى فوجئنا بخبر مصرعهما في سيارة مصدومة، وهما في الطريق إلى أحد الأندية ليلقيا فيه خطبة من خطبهما، صدمت سيارتهما صدمة مبيتة، مقصودة فتوفاهما الله.
أكرّر الإشارة إلى هذين الرجلين بعد أن ذكرت ذلك في حلقة سابقة، ترسيخاً لسيرتهما وإعلاماً للأجيال العربية الصاعدة التي لا تعلم عن مثل هذين المناضلين شيئاً، وهما حلقة في سلسلة طويلة من المناضلين المغمورين ممن قضى نحبه مؤقتاً بالله ثم ببلاده وآمال أمّته.
عودة أخرى ولو كانت متأخرة في خبر الأستاذ فؤاد مفرج وعلاقته بفخري البارودي، كان عندما يهبط من الشام إلى بيروت يذهب أوّل ما يذهب إلى الجامعة الأمريكية للقاء صديقه الأستاذ بها فؤاد مفرج، فيقضيان في غدوّهما ورواحهما المدّة التي يقيم فيها الأستاذ البارودي في بيروت، فإذا كان الوقت صيفاً والجامعة مغلقة، صعد البارودي إلى مصيف برمانا بلدة الأستاذ مفرج وتوجّه إلى بيته، ويكون في العادة قد مرّ على المدرسة الصيفية بها التي قضيت بها أربعة فصول من فصول صيف أربعة أعوام في نهاية الثلاثينيات طالباً بها، لأنها كانت فرعاً صيفياً للكلية الثانوية العامة.
أتذكّره وهو يتجوّل تحت أشجار صنوبر تلك المدرسة وفي مدخلها يسأل عن عبد الله بلخير، فإذا لقيني صحبني معه إلى دار الأستاذ فؤاد مفرج.
وطالما قضينا الساعات الطويلة في شرفاتها في عشيات وارفة الظلال ندية النسائم، و "الغطيطة" تتغشّى تلك الطبيعة بعد عصر كل يوم، فننعم فيها بالجوّ البارد والنسيم الفوّاح، وتستمر بنا الجلسة إلى ما بعد العشاء، ويكون قد انضمّ إلينا من أصحاب صاحب الدار من علم بوجود الأستاذ البارودي، ويكون في العادة معي زميلي الأستاذ فريد بصراوي الذي تنقل في سفارات سعودية كثيرة آخرها سويسرا سفيراً بها.
وتتوالى وتتجدّد ذكرياتي عن البارودي وأنا أملي هذه الأحاديث، فأتذكّر أنني بعد أن تقاعدت من عملي بالدولة، نزلت بيروت وأقمت بها وأخذت أشبع نهمي من القراءة بالحصول على جميع صحفها وبكل ما استجدّ من مطبوعاتها، وأن أتلاقى مع أصدقائي الكثيرين، وعلى رأسهم الصديق صلاح الدين المنجد العالم المتواضع، ومع صهره الصحفي الشهير صاحب جريدة الحياة والـ "ديلي ستار" كامل مروّة، وكثيراً ما يجيء فخري البارودي من الشام فيزور هذين الصديقين، وألتقي به في مكتب جريدة "الحياة". وأتذكر أني تناولت عدد الصباح من تلك الجريدة، فوجدت فيه خبراً عن توعّك صحة فخري البارودي وأنه يرقد على سرير من أسرّة المرضى في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت، ونهضت في الحال، وذهبت إلى ذلك المستشفى ومعي باقة من الزهور، وسألت عن غرفته ثم دخلت عليه، فوجدته مسجّى على السرير مغطّى بغطائه الأبيض، إلاّ أنه كان مستنداً إلى مسندة السرير، وصوته يتماوج بين جدران الغرفة وبابها مفتوح، وحوله سيدة كبيرة في السن، وزوّار آخرون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :838  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 146 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج