شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور محمد بن خضر عريف ))
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ورحمة الله للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب السعادة والمعالي, الأخوة الحضور أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
فإنه من نافلة القول الحديث عن حرص صاحب هذه الدار العامرة الأديب ابن الأديب على تكريم العلم وأهله في مناحي وضروب العلم كافة والمعرفة الإنسانية من هذا التكريم الذي يعد تكريم المعلم ضمنه واسطة العقد، وبيت القصيد، مربط الفرس، ولا نملك إلا أن ندعو لمضيفنا بمزيد التوفيق والسداد والعمر المديد ولوالده بالرحمة والمغفرة.
أخوتي الكرام طلب إليّ أخي الكريم الدكتور يوسف العارف المربي الفاضل والأديب البارز أن أقول كلمة في هذا الملتقى الكريم وأن أتكلم عن الكيفية التي يمكن أن يطور بها المعلم نفسه في هذا الزمان, ولعل أخي عنى وسائل التطوير المبنية على معطيات العصر من حاسب آلي ووسائل معينة وتقنية معلومات وطرائق تدريس حديثة وسواها, ولكنني أعلم علم اليقين أن سواي من الباحثين والدارسين قد قتل كل ذلك درساً وبحثاً, فآثرت أن أعود إلى أصولنا الإسلامية لأقول للمعلم كيف يطور نفسه سلوكياً وأخلاقياً وكيف يقوم بواجبه خير قيام انطلاقاً من نظرية تربوية إسلامية أسعى لوضعها في هذه الأيام.. أقول وبالله التوفيق:-
حقوق وواجبات المعلم والطالب المُسْلِمَيْن نحو نظرية تربوية إسلامية:
إن موضوع الحقوق والواجبات للمعلم مرتبط بالدرجة الأولى بأخلاقيات العملية التعليمية, ولا يمكن لنا بحال من الأحوال فصل العملية التعليمية عن العملية الأخلاقية, لذلك فإن أهم هدف نسعى إلى تحقيقه هو النهوض بالتربية والتعليم معاً لا النهوض بأحدهما دون الآخر.
وإذا استعرضنا الفكر الإنساني بدءاً بفجر التفكير الفلسفي ومروراً بالفلاسفة المسلمين وانتهاء بالنظريات التربوية الحديثة, وجدنا أن ربط التعليم بالأخلاق عامل مشترك بين تلك العصور جميعاً.
فقد حاول أفلاطون الذي عاش ما بين عامي أربعمائة وسبعة وعشرين وثلاثمائة وسبعة وأربعين قبل الميلاد, حاول أن يربط المعرفة بالفضيلة, في محاولة للوصول إلى نظرية للتعليم. ولقد بدأ أفلاطون بسؤال نفسه: كيف تدخل الأفكار الجديدة العقل؟ وهل يمكن للفضيلة مثلاً أن تُعَلَّم؟ هل هي هبة من الله أم أنها نوع من السلوك يُـكتسب عن طريق التربية؟ وإذا لم يكن الإنسان ورث الفضيلة فأين يمكنه أن يتجه للبحث عنها ومعرفتها, أي ما هو الميدان الذي يمكن للإنسان أن يعرف فيه الفضيلة؟ ولم يستطع أفلاطون أن يجيب عن مثل هذا السؤال فاتجه إلى الجانب السهل وهو الجانب الوراثي وقال إن التَعَلُّم هو تنمية القدرات الكامنة من الداخل, أي تنمية العقل لكي يستطيع هذا العقل أن يصل إلى العالم المثالي وفيه الحق والخير والجمال وفيه كذلك الحقائق المطلقة المجردة.
وإذا انتقلنا إلى علماء المسلمين وجدنا أن بعضهم قد حاول وضع نظرية تربوية شاملة دون أن تكتمل تلك النظرية لديه. ومن هؤلاء ابن خلدون في مقدمته, فقد كان ابن خلدون مربياً له نظرياته العلمية في التربية والتعليم. ولكنه لم يفرد لهذا الميدان اهتماماً خاصاً ولذلك جاءت آراؤه في التربية والتعليم في عمومية وشمول دون تدقيق في التفاصيل. ولذلك لم يكن يجمع آراءه تلك نظام علمي متكامل. ولعل أهم ما تميزت به آراء ابن خلدون في التربية والتعليم أنها تعتمد على خبرة هذا العالم العريضة ومشاهداته الواسعة وهي بذلك تعتبر الأساس التجريبي العلمي لقيام نظرية تربوية أصيلة في علم التربية يمكن أن تضاف إلى موسوعة هذا العالم الكبير من نظرياته العلمية في مختلف الفروع (1) .
ومما أورده ابن خلدون في مقدمته عن العملية التربوية قوله: وتنقسم الصنائع إلى ما يختص بأمر المعاش ضرورياً كان أو غير ضروري وإلى ما يختص بالأفكار التي هي خاصية الإنسان من العلوم والصنائع والسياسة, ومن الأول الحياكة والجزارة والنجارة والحدادة وأمثالها. ومن الثاني الوراقة وهي الكتب بالاستنساخ والتجليد والشعر وتعليم الشعر وتعليم العلم وأمثال ذلك (2) .
ويكمل ابن خلدون نظريته التربوية ببيان أن التعليم من جملة الصنائع في المجتمع، ذلك أن المجتمع إذا استطاع المواطنون فيه أن يحققوا من أمور معاشهم فائضاً اقتصادياً نجم عنه فائض في الوقت الذي يستطيعون معه أن ينصرفوا إلى ما وراء أمور معايشهم الخشنة, فإنهم يبحثون عن العلم والتعلم:
يقول ابن خالدون:
"فصل في أن العلم إنما يكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة والسبب في ذلك أن تعليم العلم كما قدمنا من جملة الصنائع, وقد كنا قدمنا أن الصنائع إنما تكثر في الأمصار, وعلى نسبة عمرانها في الكثرة القليلة والحضارة والترف تكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة لأنه أمر زائد على المعاش، فمتى فضلت أعمال أهل العمران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرف في خاصية الإنسان وهي الصنائع".
وهكذا نجد ارتباط التعليم بالصنائع من جهة, وارتباط هذا التعليم من جهة أخرى بالحضارة, وتقدمها وبالاقتصاد ووفرته, وبوقت الفراغ لدى المواطن مما يتفق مع أحدث النظريات العلمية في الوقت الحاضر.
وهكذا يقيم لنا ابن خلدون علم اجتماع تربوياً يحتاج منا إلى التوفر على بحثه وتحليله وعلى توضيح نظرياته, حتى يتوافر للمسلم علم التربية من تراثه الإسلامي الزاخر.
فإذا انتقلنا إلى عالم مسلم آخر هو الإمام الغزالي وجدنا لدينا نظرية متكاملة في التربية والتعليم, وربطاً واضحاً للعملية الأخلاقية بالعملية التربوية, وتحديداً جلياً لواجبات وحقوق المعلم والطالب المسلمَيْن.
والإمام الغزالي هو حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن أحمد الغزالي زين الدين الطوسي الفقيه الشافعي, ولد سنة أربعمائة وخمسين للهجرة وتوفي سنة خمسمائة وخمس للهجرة.
وله مصنفات عدة أولها وأهمها كتاب إحياء علوم الدين الذي قيل فيه: إنه أحسن ما ألف في الإسلام أصولاً وفروعاً, وقيل فيه كذلك إنه أفخم أثر إسلامي بعد كتاب الله وسنّة رسوله.
ومن مصنفاته أيضاً: "المستصفى في أصول الفقه", وكتاب "المنخول والمنتخل في علم الجدل", وكتاب: "تهافت الفلاسفة" في الفلسفة, وكتاب: "محك النظر في المنطق", وكتاب: "معيار العلم والمقاصد", وكتاب: " المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى", وكتاب: "مشكاة الأنوار", و "المنقذ من الضلال وحقيقة القولين", وله كتب غير هذه كثيرة وكلها بالغ الغاية القصوى في الإفادة.
أما عن آرائه في التربية والتعليم, فإن له منهاجاً كاملاً, فيما لو طبق في وقتنا الحاضر لأدى المعلم دوره على أكمل وجه ولاستفاد الطالب الاستفادة القصوى, وقد قسم الإمام الغزالي آراءه في التربية والتعليم بين الأستاذ والتلميذ وجعل على كل منهما واجبات معدودة أسماها وظائف, وقد ورد في كتابه العظيم إحياء علوم الدين في الجزء الأول تحت عنوان: "آداب المتعلم والمعل": أما المتعلم فآدابه ووظائفه كثيرة ولكن تنظم تفاريقها عشر جمل:
الوظيفة الأولى: تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف إذ العلم عبادة القلب وصلاح السر وقربة الباطن إلى الله تعالى.
الوظيفة الثانية: أن يقلل علائقه من الاشتغال بالدنيا ويبعد عن الأهل والوطن فإن العلائق شاغلة وصارفة و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه (الأحزاب: 4).
الوظيفة الثالثة: أن لا يتكبر على العلم ولا يتآمر على المعلم بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية في كل تفضيل وينبغي أن يتواضع لمعلمه. فلذلك قيل:
العلم حرب للفتى المتعالي
كالسيل حرب للمكان العالي
الوظيفة الرابعة: أن يحترز الخائض في العلم في مبدأ الأمر عن الإصغاء إلى اختلاف الناس سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الآخرة.
الوظيفة الخامسة: أن لا يدع فناً من العلوم المحمودة إلا وينظر فيه نظراً يطلع به على مقصده وغايته, فإن العلوم متعاونة وبعضها مرتبط ببعض.
الوظيفة السادسة: أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة واحدة بل يراعي الترتيب ويبتدىء بالأهم فإن العصر إن كان لا يتسع لجميع العلوم غالباً فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه (وهذه نظرية علمية جبارة يمكن أن تطبق في عصرنا الحاضر). خصوصاً أننا نعيش في عصر انفجار المعلومات وظهور آلاف العلوم والفنون التي لم تكن موجودة في زمن الغزالي.
الوظيفة السابعة: أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله: فإن العلوم مرتبة ترتيباً ضرورياً وبعضها طريق إلى بعض, (وكأن الإمام الغزالي قد سبق إلى فكرة نظام الساعات في الجامعات من كون كل مادة ينبغي أن تسبق بمتطلب).
الوظيفة الثامنة: أن يعرف السبب الذي به يدرك أشرف العلوم, وأن ذلك يراد به شيئان, أحدهما شرف الثمرة، والثاني وثاقة الدليل وقوته.
الوظيفة التاسعة: أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة وفي المآل القرب من الله سبحانه وتعالى إلى جوار الملأ الأعلى من الملائكة والمقربين ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه.
الوظيفة العاشرة: أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد كما يؤثر الرفيع القريب على البعيد والمهم على غيره -ومعنى المهم ما يهمك- ولا يهمك إلا شأنك في الدنيا والآخرة.
كما جعل الإمام الغزالي على المرشد المعلم وظائف ثماني:
الوظيفة الأولى: الشفقة على المتعلمين وأن يجريهم مجرى بنيه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم مثل الوالد لولده".
الوظيفة الثانية: أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يطلب على إفادة العلم أجراً, بل يعلّم لوجه الله تعالى وطلباً للتقرب إليه, ولا يرى لنفسه منّة على تلاميذه.
الوظيفة الثالثة: أن لا يدع من نصح المتعلم شيئاً وذلك بأن يمنعه من التصدي لرتبة قبل استحقاقها والتشاغل بعلم خفي قبل الفراغ من الجلي وغير ذلك.
الوظيفة الرابعة: أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح, لما في التصريح من هتك الحجاب الهيئة وتوريث للجرأة. وكأن الإمام الغزالي يرشدنا إلى الأدب النبوي في ذلك. حيث كان صلى الله عليه وسلم يلجأ إلى التعريض دون التصريح فيقول: ما بال أقوام يفعلون كذا أو يقولون كذا..
الوظيفة الخامسة: إن المعلم المختص بعلم معين لا ينبغي له أن يقبح صورة العلوم الأخرى في نظر المتعلم, فهذه أخلاق مذمومة للمعلمين ينبغي أن تتجنب.
الوظيفة السادسة: أن يراعي المعلم طاقة التلميذ ومقدرته على الفهم, اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم.
الوظيفة السابعة: ينبغي على المعلم أن لا يجعل الطالب يشعر أن هناك معلومات وراء التي يتلقاها من أستاذه, لئلا يظن أنه غير أهل لتلقي دقائق العلوم ويحس بأن أستاذه يبخل عليه ببعض العلم.
الوظيفة الثامنة: أن يكون المعلم عاملاً بعلمه, فلا يكذب قوله فعله, فإن كل من تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك سخر الناس به ولذلك قيل في هذا المعنى:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
 
وقال الله تعالى: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم (البقرة: 44).
هذا هو المنهاج الكامل الذي رسمه الإمام الغزالي في كتابه العظيم "إحياء علوم الدين" في الجزء الأول, تحت عنوان: آداب المتعلم والمعلم, وهو يدل دلالة واضحة على ما تميز به علماء التراث من وعي علمي كبير, وإدراك فلسفي بعيد. مكنهم من رسم منهج تربوي متكامل, لا ينقص في أحكامه عما نراه ونسمع عنه اليوم عن المناهج التربوية المتقدمة.
وأهم ما يميز هذا المنهج كما أسلفنا ربطه للعملية التعليمية بالعملية الأخلاقية. ويمكن لنا أن نقول إن نظرية الإمام الغزالي في التربية والتعليم تمثل نظرية إسلامية في هذا المجال، فكما رأينا إن اعتماده في وضع الأسس التي تحدث عنها كان على شيء كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ومع ذلك فقد ظهرت كتابته وكأنها كتابة لعالم معاصر متخصص في حقل التربية.
وأهم ما يميز كتابته عن أخلاقيات التعليم ارتباطها بالأخلاقيات الدينية وهو ما لا نلحظه عند علماء التربية الغربيين المعاصرين.
ومن هؤلاء جون ديوي الذي ظهرت آراؤه بوضوح في الميدان الخلقي. فالخير في الموقف يكون بحل المشكلة وإزالتها بعد إعادة تكوين عناصرها، والمستويات والمثل هي فروض علمية, هي مشروعات للعمل, وعن طريق التجريب يتوقف مدى مساعدتها لنا للسيطرة على عناصر الموقف المختلفة والوصول إلى حل لهذا الموقف. فعندما نواجه موقفاً معيناً تتصارع فيه الحاجات والرغبات وتتنازع فيه القيم والأهداف, كل منها يؤدي إليه طريق يسلكه من يريد أن يحققه, فإن الوصول إلى الخير المناسب لهذا الموقف, الذي يحل المشكلة ويزيل الصراع, يكون عن طريق البحث العلمي, ويبدأ هذا البحث بموقف معين يواجه الإنسان على أنه مشكلة تتطلب الحل, ويجذب انتباهنا إليه, ويفرض نفسه علينا. ثم بعد ذلك نحاول أن نحدد المشكلة ونعرف مكانها ونحاول بعد ذلك أن نجرب أفكاراً وآراء على أنها وسائل لحل هذا الموقف, وهذه الآراء وهذه الأفكار تؤدي إلى اقتراح طرق للعمل تقوم بها, والوصول إلى حلول ندخلها في حسابنا, ثم نقارن بين مختلف النتائج التي توصلنا إليها عن طريق الأفكار المختلفة. وهذا هو ما يسميه جون ديوي reasoning أي اختيار فكرة في النهاية والاعتقاد في النتيجة التي استدعت حدوثها، ولكن هذا كله يعني شيئاً واحداً, وهو أن طريقة البحث في العلوم الطبيعية يمكن أن تنتقل فكرتها وينقل منطقها, إلى العلوم التربوية بعد مقارنات مختلفة بين الأفكار ونتائجها. هذا كله يحدث دون عمل فعلي, أو هو عمل دون عمل, كما يقول جون ديوي وعند الانتهاء إلى هذه الفكرة نبدأ تجربتها بالفعل, أي بالعمل الفعلي, لنرى مدى مطابقة النتائج الواقعية للنتائج التي قدرناها. عن طريق الرموز والأفكار. وتنتهي المشكلة إلى الحل عندما تقضي على الصعوبات التي نشأت منها هذه المشكلة (3) . انتهى كلام ديوي.
ولكن من الذي يضمن لنا أن أنواع النزاع المختلفة وأنواع الصراع المتعددة بين القيم والأهداف ستزول بمجرد استعمال هذه الطريقة العلمية؟
لا يعطينا جون ديوي أي ضمان لذلك في علم الأخلاق, كما لا يوجد أي ضمان لها في العلوم الطبيعية. فمن الذي يضمن لنا في العلوم الطبيعية أن مشكلة من المشاكل يمكن أن نصل إلى حل لها باستعمال الطريقة العلمية؟ لا شيء.
ذلك مفهوم الغربيين للأخلاق, وطريقة ربطهم لها بالعملية التربوية.
ولكي نفهم المعنى الأخلاقي عند الغربيين نقول إنه قد زالت لديهم التفرقة بين ما يسمونه خيراً أخلاقياً وبين ما يسمونه خيراً طبيعياً. فالخير الأخلاقي عندهم هو الفضائل, والخير الطبيعي هو الصحة مثلاً, والأمن الاقتصادي, والفن, والعلم.. الخ. وقد قضى استعمال الطريقة العملية أو المنطق التجريبي في علم الأخلاق على هذا الفصل بين هذين النوعين من الخير, وأصبح كل نوع نحكم عليه بأنه خير بمقدار ما يسهم به في حل مشكلة أو إزالة نقص، وبهذا أصبح الخير الطبيعي خيراً أخلاقياً، فعندما تستطيع علوم الكيمياء والحيوان والطب أن تقدم المساعدة للقضاء على أمراض الإنسانية ومتاعبها وأن تحسن من وسائل معالجتها, فإن نتائج هذه العلوم تصبح أخلاقية، وهكذا تصبح جميع الأحوال التي تتطلب عملاً أخلاقياً على قدم المساواة من الناحية الأخلاقية مع غيرها، فإذا كنا نحتاج في هذا الموقف المعين إلى أن نحسن الصحة كغرض نرجوه وخير نهدف إليه, فإن الصحة في هذا الموقف هي الخير الأخلاقي الوحيد.
وهكذا زالت التفرقة أيضاً عن الغربيين بين نوعين من القيم كانوا يعتبرون أحدهما هو الذي يعنى به علم الأخلاق دون الآخر. فالقيم صنفان صنف يُلتمَس لذاته ويُطلَب كغاية ويكون مطلقاً لا يحده زمان ولا مكان, وصنف نسبي ينشده الناس كوسيلة لتحقيق غاية, ولهذا يختلف باختلاف حاجات الناس ومطالبهم, ففضيلة العدل تقوم لذاتها وقيمة العَرَبة مرهونة بما تؤديه من خدمات. الصنف الأول يطلق عليه القيم الذاتية ويسمى الثاني بالقيم الخارجية أو القيم الوسائل.
والنوع الأول من القيم -أي القيم الذاتية- هو الذي يُعْنَى علم الأخلاق ببحثه, فهو يتحدث عن الخير باعتباره غاية في ذاته لا وسيلة لتحقيق غاية أخرى. وهكذا كانت هناك غايات عليا وغايات دنيا, الأولى تقوم لذاتها لأنها تمُتُّ إلى عالم غير عالمنا, عالم علوي أبدي فيه كل خير, أما الغايات الدنيا فتتعلق بهذا العالم الذي نعيش فيه, ومن ثم فهي وسائل لتحقيق الغايات الأولى. وهكذا كان هناك ميدانان: ميدان الخبرة وميدان المُثُل التي تقوم بها هذه الخبرة، ميدان القيم وميدان الطبيعة، ثم جاءت نظرية جون ديوي ونظرت إلى هذين الميدانين على أنهما ميدان واحد تتحد فيه الطبيعة والقيم, ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، إن الخبرة الإنسانية هي الميدان الذي تنبع منه القيم, وهي الميدان الذي تخرج منه طرق اختيار هذه القيم ومستوياتها، كما أن الفضائل هي أهداف لأنها تعتبر وسائل هامة للقضاء على موقف مشكل. فَأَنْ تكون أميناً, شجاعاً, رؤوفاً, إن هي إلا وسائل للوصول إلى الخير الطبيعي. إن الخير الأخلاقي والخير الطبيعي لهما نفس القيمة الأخلاقية ما دام كل منهما يُنهي مشكلة ويزيل نقصاً, وما دامت نتائج استعمال كل منهما تؤدي نفعاً وتبعد ضرراً. إن المثل العليا والأهداف ليست إلا مشروعاتٍ للعمل.
ومن ثم ترتبط بالعمل ارتباطاً وثيقاً، ليست بعيدة عنه في عالم بعيد، وذلك من وجهة نظر ديوي وسواه من علماء الأخلاق والتربويين الغربيين.
إن الفرق واضح بين تفكير الإسلاميين وتفكير الغربيين, فتفكير الإسلاميين يحكمه أول ما يحكمه التوجيه الرباني والمثل الإسلامية العليا المجردة، أما الغربيون فإن النظرية النفعية هي التي تحكم نظرياتهم الأخلاقية، ولم يعد هناك فصل لديهم بين الأخلاق كمثل عليا مجردة, وحل المشكلات الإنسانية المستعصية, فكلاهما على قدر واحد من الأهمية بل لا يمكن الفصل بينهما, كما تبين لنا من نظرية ديوي الأخلاقية في هذا المجال.
ويجدر بنا في هذه المحاضرة أن نستعرض بعض أسس التربية والتعليم الإسلامِيّيْن مستمدة من مصادر الإسلام الخالدة القرآن الكريم والسنة المطهرة. وبذلك تتجلى حقوق وواجبات المعلم والتلميذ المسلمَيْن.
بداية نقول: التربية الإسلامية, تربية شاملة, ومستمرة, ومتلائمة مع كل زمان ومكان, ومناسبة لكل جنس بشري, ولكل مجتمع يعيش فيه البشر.
والدين الإسلامي, كما يدعو إلى العمل للآخرة, حيث الخلود والبقاء, فهو أيضاً, يحث على طلب الدنيا, حيث حياة البشر, وعملهم, وإنتاجهم, وأخذهم بأسباب التقدم في كل مجالات الحياة. إن الله تعالى, الذي خلق الإنسان, هو الذي بَرَأَ الكون, ويعلم أسراره, وتكوينه بما فيه ومن فيه, وهو الذي أنزل القرآن نوراً, وهدى للعالمين, فلن يكون في دينه صدام بين الدين والدنيا, وبين الروح والجسد.
فالتربية الإسلامية, تهدف إلى العمل من أجل الدنيا, كما تهدف إلى العمل من أجل الآخرة.
قال تعالى: وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا (القصص: 77).
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة, ولا الآخرة للدنيا, ولكن خيركم من أخذ من هذه, وهذه.
وقال عليه الصلاة والسلام: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً, واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً".
والتربية الإسلامية تُعنى بشخصية الفرد, من جميع نواحيها, جسمياً, وعقلياً, ووجدانياً, وخلقياً, واجتماعياً, فالجسم بدون عقل ووجدان, -في نظر الإسلام- أشبه بجسم حيوان, والعقل لكي يفيد صاحبه, لا بد وأن يتمتع بجسم سليم, وبدن معافى, والتربية الإسلامية, تتصف بالتوازن, باعتبارها تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل, فالماضي مجال للعبرة والعظة, والحاضر له متطلباته ومقتضياتَ معايشته, والمستقبل له تطلعاته, واستعدادته.
وبالتالي, فإن التربية الإسلامية تفيد من الماضي, وتربط بينه, بما فيه من تراث فكري وحضاري, وبين أوضاع الحاضر وظروفه, ثم بينه وبين المرتقب والمتوقع في المستقبل.
والتربية الإسلامية لا تعتمد نظرياً على الآيات القرآنية الكريمة, والأحاديث النبوية الشريفة, والأحاديث القدسية, دون تطبيق وتقانة فكرية, فردية واجتماعية, تهدف إلى صلاح الإنسان والمجتمع, عن طريق الممارسة العملية في سلوك الفرد, وحياة الجماعة, ولكن التطبيق العملي هو الغاية من أحكام التشريع الإسلامي. قال تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم, ورسوله, والمؤمنون (التوبة: 105).
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس الإيمان بالتمني, ولكن الإيمان ما وقر في القلب, وصدقه العمل.
كما يدعو الإسلام إلى إتقان العمل, وجودته, وحسن أدائه: قال تعالى: إنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً (الكهف: 30).
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً, أن يتقنه.
وهذا يعني أن التربية الإسلامية لا تقف عند حد معين, أو أنها قاصرة على زمن بعينه, ولكنها تدعو إلى مواكبة التطور, ومقابلة التغير, ومواجهة التحديات التي يتعرض لها المجتمع, فلا ركون إلى الخمول, أو الجمود الفكري, أو الخضوع والاستكانة.
كما تهدف التربية الإسلامية إلى تنمية الجانب الروحي لدى النشء وفي نفوس المسلمين عامة, وذلك من أجل بناء مجتمع إسلامي, يسوده الفهم الصحيح لمبادىء الدين وتعاليمه وأحكامه, وعن طريق سلوك الأفراد وأساليب حياتهم, تدعم الجوانب الخلقية والروحية في المجتمع, وهذا يقتضي اتباع ما جاء به الإسلام.
يقول صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
فالإسلام يدعو الإنسان إلى التمسك بالقيم البناءة والمثل الهادفة, والتأسي بالقدوة الصالحة: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة.
والتربية الإسلامية تدعو الإنسان إلى التفكير في آيات الكون, والتوصل إلى قوانينه, وأن يتناول هذا الكون بإيجابية, وطموح استطلاعي, ونزعة نفعية. فالإنسان خليفة الله في الأرض, والكون كله بما فيه مسخر لفائدة الإنسان وهو كتاب مفتوح أمامه, بلا مغاليق, ولا أسرار. والقرآن الكريم مملوء بأفعال الأمر التي تحث الإنسان على البحث والتفكير مثل: اقرأ, انظر, هاتوا برهانكم.. بل, وتَشدَّدَ في هذا, باللجوء إلى أسلوب التبكيت, مثل: أفلا تعلمون؟, أفلا يتذكرون؟, لعلكم تتفكرون.. فالملاحظة والتفكير, والاستدلال, والتوصل إلى الحقائق.. أي الطريقة العلمية بكل مراحلها, ينادي بها الإسلام, ويدعو الإنسان إلى مزيد من العلم والمعرفة.
وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً (الإسراء: 85).
وقل رب زدني علماً (طه: 114).
هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (الزمر: 9).
يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات (المجادلة: 11).
ومن أهداف التربية الإسلامية, العمل على انتشار اللغة العربية بين معتنقي الإسلام, باعتبارها لغة القرآن الكريم, بها يُقرأ, وبها يُفسر, وهو في ذاته عامل هام في نشرها ودخول كثير من ألفاظها ضمن لغات الشعوب الإسلامية غير العربية, مثل: الفارسية, والتركية, والأردية, والسواحلية, وغيرها.
وباللغة العربية, تؤدَّى شعائر الدين الحنيف, فضلاً عن أنها وعاء الثقافة العربية وأنماطها, وعصورها منذ بدء الدعوة إلى الإسلام, وحتى الوقت الحاضر وستظل كذلك إن شاء الله.
فالاتجاه العام في تربية المسلم أن يتخذ من الدين هادياً في حياته الدنيا حيث العبادة, والعمل, والإنتاج, وسبيلاً لآخرته, حيث الثواب أو العقاب ثم الحياة الأبدية.
ذلك أن الطَّابَع العام للتربية الإسلامية, ليس دينياً محضاً, ولا دنيويًّا محضاً, وإنماً هو يجمع بين الناحيتين لإعداد المسلم لخيَريْ الدنيا والآخرة.
إن الفهم الواعي, والفكر الناضج لطبيعة التربية الإسلامية, يؤكد أن المجتمع الإسلامي, مجتمع متفتح على غيره من المجتمعات, والثقافات, ويدعو إلى التعاون الداخلي والخارجي, ويستفيد من علوم وثقافات الآخرين. فلا عزلةَ عن المجتمعات الإنسانية المعاصرة, أو قوقعةَ حول الذات في مجتمع مغلق, ولكِنَّ الإسلام يدعو إلى التعارف والتعاون, والإفادة من خبرات الأمم, والشعوب, دون أن يفقِدَ المجتمع الإسلامي شخصيته المميزة, أو أن تذوبَ في مجتمعات أخرى, فالإطار العام للإسلام, ينبغي أن يسود دائماً, فالتكيف مع الواقع المعاصر, لا ينفي وجود الطابع الإسلامي, والسمات الإسلامية.
والتربية الإسلامية تهدف إلى التجديد والابتكار بما يتناسب وحياة المسلمين في عصرهم, فهي تدعوهم إلى الاجتهادِ والتفكيرِ المستمر فيما ينفعهم, والنظرِ بعين البصيرة النافذة إلى متطلبات مجتمعهم, وما تقتضيه مستحدثات العصر, وما يقدمه العلم من جديد.
ويمكن لنا أن نوجز فلسفة التربية الإسلامية بالنقاط التالية:
- التوجيه التربوي المناسب لكل فرد.
- مراعاة الفروق الفردية في التعليم.
- مراعاة الاستعدادات الفطرية والميول.
- التربية الخُلقية والتكامل في شخصية الفرد.
- التدرّج في تربية النشء مع مراحل نموهم.
- الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية.
- الاهتمام بالنواحي النفعية, للدين والدنيا (4)
تلك أهم مقومات التربية الإسلامية الصحيحة.
وإذا أردنا أن نتحدث عن مقومات المُرَبِّي المسلم من وجهة نظر مهنية بحتة, فإننا نقول إنها تأتي كالتالي:
أولاً: أن يكون لدى المُرَبِّي بصفة عامة معرفة ومهارة خاصة ومتميزة ليست لدى الرجل العادي. فكل فرد ينتمي إلى مهنة معينة لا بد وأن تكون له قدرة خاصة يتميز بها عن الآخرين. وتصبح المهنة على هذا الأساس مجتمعاً من المتخصصين الذين يتكلمون لغة معينة, ويتمتعون بمهارات مهنية, يستطيعون أن يفهموا هذه اللغة فيما بينهم, وأن يتداولوا هذه المهارات فيما بينهم. وبذلك يكوّنون ما يسمى مجتمع الاتصال والتواصل الفكري.
وينكر البعض تميز المربي بهذه الصفة, مدعين أن عملية التدريس يستطيع القيامَ بها كُلُّ فرد. فهي لا تحتاج إلى مهارة خاصة أو قدرة.
ولقد أثبتت التجارب العلمية الحديثة في ميادين علم التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع أن المعرفة والمهارة الخاصتين ضروريتان للمدرس الجيد, وليس كل من وقف موقف المدرِّس يستطيع أن يدرس. وأفضل الظروف وأفضل الطرق للتعليم الجيد ليست معرفةً عامةً شائعة.
ومن هنا تغيرت فلسفةُ إعداد المعلم. فعلى أساس النظرة الأولى كان المعلم أيّ فرد يعرِف. ويكفي أن نعرف مَنْ مِن الأفراد يرغب في أن يُعَلِّمَ فنوكلُ إليه مهنةَ التعليم. أما الآن فقد أصبح إعدادُ المعلِم إعداداً علمياً مهنياً من أهم من تُعنى به الدول - فالقائمون على أمر التربية والتعليم يعتبرون المدرِّسَ حَجَرَ الزاوية في العملية التعليمية. والمدرس الناجح هو الذي يَتِمُّ إعدادُه من ناحية التخصص في مادته ثم الدراسةِ التربوية والنفسية مع غير ذلك من المؤهلات الأخرى.
ولذلك نستطيع أن نقول إن ميدان التربية والتعليم في الوقت الحاضر يحقق هذا المعيارَ الأساسيَ للمهنة.
ثانياً: أن يكون لدى المدرس بصر فكري يستطيع أن يحلِّق به وأن يَفْهَمَ من إدراكٍ وبصيرة كيفية وسبب ما يقوم به من طرق معينة لتأدية وظيفته. وهنا يرتفع صاحب المهنة من مجرد صاحب خبرة تعتمد على التدريب والعادة إلى صاحب خبرة. يَدخلُ فيها التقليدُ عنصراً أساسياً وتتطورُ الكفاءةُ من كفاءة روتينية إلى فهم للأساس العقلي الذي تقوم عليه هذه القواعد والعادات الروتينية.
والمعلم الذي يعرف فقط والمدير الذي يعرف كيف يدير المدرسة دون فهم وإدراك للأسباب العقلية والنفسية والتربوية التي تكمن وراء كل عمل يقوم به إنما يمارس حرفة لا مهنة.
والبصر الفكري بالعملية التعليمية يمنح المدرس فهماً شاملاً متسعاً, يكون به أقدر على ممارسة هذه العملية، فالعمل الذي يقوم على القواعد إنما هو عمل جامد, لا يستطيع الفرد معه أن يجد أساساً لمعالجة الحالات الجديدة أو الحالات غير العادية. إن الإطار النظري الشامل يتضمن المواقف الجديدة والظروف غير العادية ويستطيع تقديم مسالك هادفةً للتجريب.
ومعنى هذا فيما يختص بإعداد المعلمين أن يصبح الإعداد المهني أساس تخريج المعلم وأن يتضمن المكونات الثلاثة الآتية:
1- السيطرة على المادة التي يدرِّسها, مع معرفة متسعة تماماً في هذا الميدان ومع خبرة بالتحليل الدقيق لها على أن تكون لديه القدرة على أن يربط بينها وبين الميادين العلمية الأخرى عن فهم وذكاء.
2- تنمية القدرة على تنظيم المواد الدراسية والخبرات التعليمية وتنمية المهارة في نقل الأفكار وتنمية القدرة على إثارة رغبة التلميذ في التعليم.
3- فهم الأساس النظري ومجموعة الحقائق التي يقوم عليها التطبيق التعليمي والتي توجِّهُ وتشكِّلُ تقدمه.
والبصر الفكري المتسع معناه أن التربية يمكن أن تكون علماً. فالمعلم يقدم التفسيرات المنظمة للمظاهر المختلفة.
ثالثاً: أن تكون هناك وسيلة لتحديد من يؤَهَّلُ لممارسة مهنة التعليم, والوسائل المناسبة للاعتراف الاجتماعي بالوضع المهني. ويكون هذا التأهيل عن طريق هيئة معينة تضع المواصفات الخاصة اللازمة للفرد لكي يصبح عضواً في المهنة والطرق المختلفة لتنفيذ ذلك وتطبيقه.
رابعاً: أن يحترف المدرس مهنةَ التعليم, أي أن يتخذها عملاً حياتياً يكسب منه عيشه, وبذلك لا ينظر المدرس إلى عمله على أنه عملية ترويحية ولكنها عمل مريح تترتب عليه مكافآت اقتصادية واجتماعية وأخلاقية.
وإذا احترف الفرد مهنة التعليم فإنها لا تصبح بالنسبة له مجرد وظيفة, ولكنها تصبح عمله الذي يحقق منه هدفه في الحياة, وبذلك لا تنفصل عنه بل يصبح هو والعمل شيئاً واحداً وكُلاًّ واحداً, وتصبح المهنة المصدر الأساسي لمعنى وجوده.
على أن بعض المدرسين يتفرغُ بإخلاص لعمله والبعض يلجأ إلى التدريس لأنه ليس إلا وسيلة للحصول على لقمة العيش, كأي عمل آخر كان يمكن أن يقوم به، ذلك لأن البعض يتدرجون في هذه المهنة نتيجة دخولهم كليات بعينها فُرِِضَتْ عليهم أو قادتهم الأقدارُ إليها, أو نتيجة ارتباطات وعلاقات شخصية. كما أن البعض يدخل مهنة التدريس كعمل مؤقت ينتقل منه إلى عمل آخر يرغبه عندما يتحقق ذلك.
ولا يصبح التعليم مهنة إلا إذا نظر إليه المدرسون نظرة جادة واقعية مخلصة على أنه عمل يبقى مدى الحياة, يتفرغون له كوسيلة لتحقيق وجودهم وإكساب هذا الوجود معنًى.
خامساً: أن يكون لمهنة التعليم دستور ديني أخلاقي, يرتبط به جميع المدرسين ويطبقون قيمه ومبادئه على جميع أنواع سلوكهم. فالمهني يتمتع بقدرات خاصة في ميدانه, ولا بد أن تُستخدَم هذه القدرات استخداماً خيراً على أساس من القيم الدينية والأخلاقية.
والدستور الديني للمهنة ينبعُ من الإطار الديني العام في المجتمع, ويتضمن المسؤولياتِ الدينية والأخلاقية التي تقوم عليها ممارسة هذه المهنة.
وإذا ما اعتبرنا التربيةَ مهنةً كان لا بد أن يكون لها دستور أخلاقي ويجب أن يتضمن هذا السلوكُ الأخلاقيُّ الأُسُس الثلاثة الآتية:
الاهتمام بالتلميذ: وهذا هو الأساس الأول الذي يجب أن يجعله المربي أمامه دائماً. فالتلميذ فرد إنساني وشخصية إنسانية مستقلة لها تكوينها الخاص وأهدافها الخاصة. ويجب أن يُخلِصَ المدرس في خدمتها وفي مساعدتها لتحقيق أهدافها. ويجب أن يكون المدرس على معرفة شعورية بأنه لا يخدم أغراضه الخاصة.
الأساس الثاني أن يبحثَ المدرِّسُ عن الحقيقة ويدرسها. إن نمو التلميذ يجب أن يتجه دائماً إلى الحقائق. وعلى المدرس أن يبحث عن هذه الحقائق وأن يقدمها للتلميذ دون محاولةِ تشويهها عن عمد أو جهل.
ولكي يحقق المدرس ذلك يجب أن يكون مخلصاً مع ربه ومع نفسه, ومخلصاً مع الآخرين, بحيث لا يكون مدّعياً أو منافقاً. وأن يكون كذلك مخلصاً للتراث الثقافي الذي يعيش فيه والذي يحاول أن ينقُلَه للتلميذ. فإذا كان المدرس لا يملك اقتناعاً وإيماناً بهذا التراث الثقافي وَجَب عليه أن يتنحى عن مهنة التدريس. لأن المدرس هو الفرد الذي ائتمنَتْه الجماعة على نقل التراث الثقافي إلى صغار هذا المجتمع.
وللمدرس في حدود هذا الإطار الثقافي للمجتمع أن يتمتع بحريته العلمية - ففكره يبحَثُ ويُنَقِّب, وهو يَنْقُدُ ويحلِِّل, وهو يقدم للتلاميذ الفكر الإنساني, وكل ذلك في حدودِ الإطار الديني والثقافي للمجتمع. وبذلك نكون قد وصفنا حقوقَ وواجباتِ المعلم والطالبِ المُسْلِمَيْن من وجهةِ نظرٍ إسلامية وأخرى مِهْنية.
شكراً لإصغائكم والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته..
 
عريف الحفل: شكراً للدكتور محمد خضر عريف على هذه العودة بنا إلى أصولنا التربوية والنظريات التربوية الإسلامية، وأنا سعيد جداً لأنه يعمل على إخراج نظرية تربوية من خلال هذا الكم الكبير من النظريات التربوية، ونسعد جداً في التربية والتعليم أن نحتفي بهذه الورقة حتى إذا استطعنا طباعتها وتوزيعها على الأخوة المعلمين, من المتغيرات التي بدأنا نتفاعل معها تربوياً في مدارسنا موضوع الجودة، وكلكم تسمعون بتجويد التعليم و"بالايزو" وبهذه النظريات الجديدة التي بدأت تنزل حديثاً في الميدان وقد استنبتناها في المجال التربوي أخذاً واستفادة من مجالات اقتصادية أخرى, خير من يتحدث في هذا المجال جاري الأستاذ الدكتور عبد القادر بن محمد داود تنكل الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بكلية الطب ونائب المشرف العام على برنامج الجودة الشاملة وكيل كلية إدارة الأعمال الأهلية. هو يشاركنا ويحتفي بكم معنا ويقدم كلمة عن الجودة أو ما يمكن أن تستفيده التربية والتعليم من مفاهيم الجودة في ظل التغيرات المستقبلية فليتفضل.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :895  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 201 من 235
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج