شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((الحوار مع المحتفى به))
عريف الحفل: شكراً للأستاذة الدكتورة لمياء باعشن. نبدأ طرح الأسئلة من قسم السيدات، وأنقل لاقط الصوت إلى قسم السيدات والزميلة نازك الإمام للترحيب بضيفنا وطرح أول سؤال من قسم السيدات.
الأستاذة نازك: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أصحاب المعالي أصحاب الفضيلة أصحاب السعادة الإخوة الحضور الأخوات الحاضرات الكريمات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هو روائي مختلف، تجاوز المألوف في أعماله الروائية والقصصية فاستحوذ على اهتمام النقاد والقراء، وحظيت أعماله بالمزيد من الاهتمام العالمي حيث تُرجمت إلى أكثر من لغة؛ فهو من الكتّاب الذين أرسوا دعائم مشروع التحديث في الكتابة بكل أبعاده ومستوياته -وباعتراف النقاد- لأنه مزج الروائي الفردي بالاجتماعي. فاز بجوائز عديدة أهمها جائزة أبي القاسم الشابي عن روايته "الحمام لا يطير في بريدة" تكريساً لموقعه الروائي، وجائزة جان ميشيل سيسكي العالمية للآداب عن روايته "فخاخ الرائحة" ضمن عشر روايات، حيث استطاع أن يسجل حضوراً في مشهد الرواية العربية الجديدة وأن يتجاوز المحلية إلى عالم أرحب، كما استطاع أن يحقق بعض الطفرات الأسلوبية في رواياته ما جعله صوتاً متميزاً سجل اعترافاً حقيقياً في تصريحاته عندما اعترف بأن المحرك الأساسي لكتابة روايته "القارورة" كانت روايات الكاتبة هدى بركات التي كانت تؤلف الرواية بضمير الرجل، وهو ما دفعه إلى خوض تحدي كتابة رواية على لسان المرأة الساردة. إنه الروائي والقاص السعودي يوسف المحيميد، المهموم بقضايا تتجاوز الكتابة الروائية وصولاً إلى حال النشر المتعثر والبدائي في العالم العربي، فمرحباً بسعادته ومرحباً بحضور وحاضرات أمسية ضيفنا الكريم. بداية اسمحوا لنا بأن نبدأ طرح الأسئلة من القسم النسائي والسؤال بداية مع الأستاذة الإعلامية منى مراد من صحيفة "هام الإلكترونية" فلتتفضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أستاذ يوسف المحيميد قمت بتوقيع عقد مع الجامعة الأمريكية بالقاهرة لنشر روايتك "القارورة" بعد ترجمتها، وقمت أيضاً بترجمة رواية "فخاخ الرائحة" وثلاث قصص قصيرة لك من قبل مترجمين أجانب، ولقد اعترفت بأن الجامعة الأمريكية تعتبر مصدر ثقة للنشر في ما يخص الأدب العربي. سؤالي: على أي أساس سجلت هذا الاعتراف؟ وهل هذا معناه أنه لا توجد دور نشر عربية قادرة على ترجمة كتب الأدباء العرب أو نشر هذه الكتب العربية القيّمة؟ شكراً.
الأستاذ يوسف المحيميد: في البداية أشكر الزميلتين الدكتورة فاطمة الياس والدكتورة لمياء باعشن، واسمحوا لي فقط أن أتحدث عن الجانب الذي تحدثت عنه الدكتورة لمياء باعشن وهو أيضاً يرتبط بسؤال الأخت منى مراد. طبعاً كما ذكرت الدكتورة لمياء فقد سألتني ذات مرة كيف أستطيع أن أمارس كل هذه الأدوار، أي أن أكون ناشراً وفي الوقت عينه وكيل أعمال لذاتي ولنفسي، فقمت بتوضيح هذا الأمر لكن يبقى من الضروري أن أوثّقه في هذه الجلسة الكريمة؛ طبعاً بالنسبة لي لدي وكيل أعمال أمريكي هو السيد "طوماس كلشي" في نيويورك يتمثل دوره -لمن لا يعرف دور الوكيل الأدبي- بمتابعة ترجمة الأعمال للكاتب إلى لغات مختلفة، وتوقيع العقود، كما واستلام الحقوق أياً كانت، وهو يناقش هذه العقود ويستطيع أيضاً أن يلغي أحد العقود إذا كانت لديه قدرة متميزة، وهو ما فعله معي السيد طوماس حينما استطاع أن يستل حقوق الترجمة الفرنسية لرواية "فخاخ الرائحة" من الجامعة الأمريكية، رغم أنني كنت وقعت عقداً كاملاً يتضمن اللغة الفرنسية، لكنه استطاع بقدراته ومن خلال مجموعة إيميلات كنت أتعامل فيها مع الجامعة الأمريكية أن يعيد إلي حق الترجمة إلى الفرنسية، لذا فمن الطبيعي أن لا يمارس الكاتب الروائي أو أياً كان جميع هذه الأدوار لأنه لا يستطيع أن يكتب وأن يقرأ وأن يبحث عن المعلومة وأن يمارس أيضاً هذه الأدوار المضاعفة، بل على العكس هو يحتاج إلى أن يكون لديه وكيل أعمال متخصص يقوم بالتنسيق مع الآخرين سواء مع الصحف أو مع دور النشر أو مع المترجمين أو ما شابه ذلك. بالنسبة لسؤال الأخت منى مراد هناك أيضاً ما يشبه سؤال الدكتورة لمياء حينما يقول لي الآخرون أنني قمت بترجمة رواية "فخاخ الرائحة"؛ أنا لم أقم بالترجمة ولم أبحث عن الترجمة، لكني أستطيع أن أقول إن الترجمة قد جاءت عن طريق مترجم والناشر أجنبي، في حين أن وكيل الأعمال هو من تولى كل هذه المسائل وليس لي علاقة إطلاقاً بهذا الأمر إلا في حدود ضيّقة تتعلق بتلقي الأسئلة من الناشر ومن المحرر ومن المترجم، هؤلاء الثلاثة هم من يستطيع أن يتحاور معي حول تفسير كلمة ما أو عبارة غير واضحة مثلاً للوصول إلى الترجمة المثلى.. طبعاً لقد قامت الجامعة الأمريكية بأدوار مهمة بدءاً من ترجمة نجيب محفوظ في السبعينيات حيث استطاعت أن تقدم نجيب محفوظ إلى العالم عبر ترجمته إلى اللغة الإنجليزية ومن ثم إلى اللغات الأخرى وأن تكون أساساً لنيل نجيب محفوظ جائزة نوبل، وإلا فكيف يمكن للعالم أن يتعرف إلى أدب نجيب محفوظ إذا كان ينشر باللغة العربية؟ فالجامعة الأمريكية مارست هذا الدور منذ السبعينيات إلى أن حصل نجيب محفوظ على الجائزة ثم أصبحت أكثر انفتاحاً مع جميع الروائيين والكتاب والشعراء من جميع أنحاء العالم العربي، ولم تعد ترتبط بنجيب محفوظ أو بمصر لوحدها. طبعاً للجامعة الأمريكية مزايا وعيوب في الوقت نفسه، ومن مزاياها أنها مارست هذا الدور مبكراً وهي بالمناسبة لا تنشر بالعربية بل هي دار نشر متخصصة لترجمة الأدب العربي إلى اللغة الإنجليزية، فقامت ضمن هذا الإطار بأدوار مهمة في مرحلة مبكرة لكنها بالتأكيد كأي ناشر لديها العديد من المزايا والعديد من العيوب في المقابل.. من عيوب الجامعة الأمريكية كما أتصور أنها أقرب إلى أن تكون ناشراً أكاديمياً ولا تستطيع بالتالي أن تمارس دور التوزيع كما تضطلع به دور النشر الأجنبية الأخرى؛ فرواية "فخاخ الرائحة" مثلاً قد طبعت طبعتين: طبعة الجامعة الأمريكية وطبعة بنجوين في نيويورك، ففي حين يستطيع القارئ أن يجد طبعة بنجوين في أي مكان – وقد فوجئتُ في خلال رحلتي إلى نيويورك بأنها موجودة في مكتبة في مطار بوسطن – لا تستطيع الجامعة الأمريكية في المقابل أن توفر جميع أعمالها في مختلف أنحاء العالم فهي كأنها ناشر وفي الوقت نفسه أقرب إلى أن تكون وكيلاً أدبياً، وهي بالفعل كانت وكيلاً أدبياً لأعمال نجيب محفوظ.
عريف الحفل: السؤال الآن مع الصحفي الأستاذ خالد المحاميد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا سعيد جداً الليلة لأني استمعت إلى قصيدة من يوسف المحيميد وليس إلى مطالعة تعريفية بأعماله أو إنجازاته. أيضاً قدم لنا الشيخ عبد المقصود خوجه مطالعة نقدية جميلة وكذلك فعل الأستاذ فيصل الجهني.. وهكذا تضمنت المستويات النقدية الليلة شيئاً جديداً. لدي سؤال بسيط: هناك مقولة لأحد النقاد مفادها أن الرواية تقول ما يمتنع التاريخ عن قوله، فمعظم أعمالك أعتقد بأن لها "ثيمة".. "ثيمة" أساسية تتعلق بالحرمان والظلم، أي المستويات الاجتماعية التي استطعت أو تعتقد بأنك في رواياتك استطعت أن تنهض بها من غيبوبة التاريخ إلى الرؤية الواقعية أو رؤية الوعي أو مستوى العام. شكراً.
الأستاذ يوسف المحيميد: شكراً أستاذ خالد. إن الرواية بلا شك تقول ما لم يقله التاريخ كما أتصور.. فالتاريخ يكتب عادة بشكل رسمي ويكتب لأهداف محددة، ونحن نردد دائماً أن التاريخ يكتبه المنتصرون أو من يريدون أن يسوّقوا لفكرة ما، في حين أن الرواية تتخلص من كل هذه الأشياء ولا تقتصر على سرد التاريخ أو الواقعة التاريخية من وجهة نظر مختلفة فحسب، لكنها أحياناً -وهذه نقطة مهمة جداً- عندما تتناول لحظة تاريخية ما قبل قرن أو قرنين مثلاً، فإنها تلتقط شخصية عابرة تكون داخل أحد القصور أو شخصية مهملة ليس لها أي دور ولا يمكن إطلاقاً أن ترد في كتاب تاريخي، ثم تجعل من هذه الشخصية بطلاً يستطيع أن يرينا ما كان يحدث آنذاك عبر المحيطين به أو عبر طبقته الاجتماعية، فالتاريخ يكتب في العادة سير الملوك والقادة والرؤساء ولا يكترث بشخصيات أو تفاصيل عابرة، في حين تهتم الرواية بشكل عام -وليس الرواية العربية فحسب بل أيضاً الرواية الأجنبية- بهكذا مسائل. أنا شخصياً أميل في مجمل أعمالي إلى هذه الطبقات، الطبقات المهملة والمنسية والهامشية، وأميل إلى هذه الشخصيات، وبدءاً من روايتَي "لغط موتى" و"فخاخ الرائحة" وحتى الآن تلفت انتباهي باستمرار هذه الشخصيات التي لديها الكثير لتقوله، لكنها لم تمنح الفرصة الكافية لتقول ما تريد، فكأنني باختصار آتي وأنتزع المايك من فم التاريخ الرسمي وأمنحه لهؤلاء.. لا أكثر.
نازك الإمام: السؤال من الأستاذة ثريا بلو عضو نادي مكة المكرمة الثقافي الأدبي فلتتفضل.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نبارك لك يا أستاذ يوسف حصولك مؤخراً على إحدى جوائز معرض الكتاب الدولي في الرياض لعام 2013م من بين العشرة الفائزين. سؤالي أستاذ يوسف: هنالك ثمة هجوم أو اتهام لك بأنك تسوّق أعمالك الأدبية للجوائز ومع احترامي واقتناعي بإبداعك المتميز كيف ترد على هذا الاتهام؟ وشكراً للجميع.
الأستاذ يوسف المحيميد: شكراً لك أخت ثريا. أنا دائماً أردد مقولة والد أحد الأصدقاء وهو ربما يكون معروفاً لديكم أعني الكاتب المسرحي محمد العثيم، حينما كان شاباً شرس الطباع ومشاكساً كان والده يقول له: "عليك أن تختار: إما أن تنشغل بعملك، أو تنشغل بالآخرين".. أنا اخترت باختصار أن لا أنشغل بالآخرين وما يقولونه، وأقول ببساطة شديدة حتى لو كان هذا الكلام قابلاً لأن نتحاور حوله، فكيف يمكنني أن أسوّق رواية في الثقافة الإيطالية مثلاً لتحصل على جائزة؟ وهل الثقافة والجوائز العالمية المختلفة تخضع لنفس الآليات والذهنية المتشككة الموجودة في العالم العربي؟ طبعاً لا، أما أن أتحدث عما أكتب وأستجيب للحوارات وأظهر على شاشات التلفزة، فهذا إن كان يعتبر تسويقاً لأعمالي فأنا أرحّب به، وهو دور يجب أن أمارسه حينما تتاح لي الفرصة، وكثيراً ما يُعرض علي أن أجري الحوارات لكنني أنا من يحدد دائماً متى أجري هذه الحوارات حينما يكون الوقت مناسباً أو حينما يتوافر لدي منجز جديد أو أكون قد حصلت على جائزة، لذا فمن الطبيعي أن أحاور الآخرين حول أدبي أو حول ما كتبت لكن أن أكون حاضراً بشكل دائم فهو ما لا أمارسه كثيراً. طبعاً من السهل جداً أن نرمي الآخرين، يعني حينما تتهم الآخرين وتمضي دون أن يكون لديك مسوغات أو مبررات فهذا أمر إنشائي وأنا لا أكترث بالكلام الإنشائي الذي يثار حول ما أحصل عليه من جوائز، وبالمناسبة يعني حتى جائزة الزياتور الإيطالية لم أكن أعرف عنها إطلاقاً، فقط مجرد إيميل وصل على بريدي الخاص من الناشر الإيطالي قال لي إن روايتك ضمن ثلاث روايات وصلت إلى القائمة النهائية، ويوم الاحتفال بالفائز سيكون في التاريخ الفلاني إذا كنت تستطيع الحضور فأخبرنا لكي نرتب لك السفر، وإذا كنت لا تستطيع الحضور فإننا نعتذر منك لأن نظام الجائزة يقتضي حضور المرشحين الثلاثة على المسرح، فوافقت طبعاً وذهبت حتى أنني وصلت بعد رحلة طويلة من محطة إلى أخرى ولم أكن أعرف بعد من هو الفائز أو من هما الاسمان الآخران الفائزان -أعتقد أن أحدهما كاتب فلسطيني يكتب باللغة الإيطالية مباشرة- فحينما وصلت إلى المسرح فوجئت قبل بداية التقديم بأن روايتي هي الفائزة؛ فهل أنا أيضاً أمارس سطوتي على كل العالم لكي أديره؟ إذا كنت بهذا الشكل أتمنى أن أمارس أيضاً سلطتي على المستوى السياسي وأوقف المجزرة في سوريا مثلاً. شكراً لك.
عريف الحفل: السؤال مع الأستاذ وائل سعود.
السلام عليكم أستاذ يوسف المحيميد.. إن الكتابة هم وحلم ومشروع مستمر لا يتوقف. سؤالي موجه إلى خيالك المبدع وشفافية الإنسان في داخلك، وهو سؤال افتراضي: ماذا لو لم تحصل على تلك الجوائز ولم يُحتَفَ بك ولم تكرَّم على مشروعك الكتابي؟ يشجعني على طرح هذا السؤال تصريحان لك: التصريح الأخير بعد حصولك على جائزة وزارة الثقافة وقد قلت فيه إنها سوف تكون محرضاً لك على الكتابة لفئة الشباب، وتصريح قديم جداً لك بأن التكريم الحقيقي للمبدع في العالم الثالث هو أن يترك في حاله. بين المقولتين أعيد طرح سؤالي الافتراضي: لو لم تكرَّم على مشروعك فهل سيؤثر فعلاً عدم تكريمك على توجهاتك؟ شاكر لك.
الدكتور يوسف المحيميد: شكراً لك وائل. طبعاً سؤال افتراضي لكنه أيضاً سؤال مشروع. أعتقد من الصعب أن أتحدث عن شيء لم يحدث أو شيء حدث بشكل مختلف، لكنني في المجمل كما قلت في نهاية هذه الورقة حينما كتبتها أنني أكتب بشغف، أكتب لأنني أحب الكتابة.. لا أعتقد أنني سأتوقف عن الكتابة وأكف عن الكتابة لمجرد أنني لم أحصل على جائزة، وكثيرا ما أطمئن غيري من الأصدقاء حينما لا يحصل أحدهم على جائزة فأقول له إن لجان التحكيم هي مجرد لجان تمتلك ذائقة ما، ليس بالضرورة أن يكون عملك هو الأردأ كما ليس بالضرورة أن يكون العمل الفائز هو العمل الذي لا يأتيه الباطل، والجوائز محرّض حقيقي ومشجع على الكتابة، ومن منا لا يحب التشجيع والتكريم والجوائز؟ جميعنا نحب أن يلتفت إلينا الآخرون ويشجعونا، لكن يجب في النهاية أن لا يكون هذا هو الهم وأن لا يكون هو الشاغل، فالشاغل الحقيقي يجب أن يكون الكتابة فقط.. الكتابة بكل وقودها من قراءة واطلاع ومخالطة للناس حتى تنتج نصاً روائياً.
نازك الإمام: نحن في القسم النسائي سوف نكتفي نظراً لضيق الوقت بهذا السؤال الأخير، وهو سؤال مني شخصياً نازك الإمام من إذاعة جدة:
أستاذ يوسف، ذكرت بأنك لا تحب التعامل مع الكتابة بتصنيف الجنس، ذكراً كان أم أنثى، لأن الرؤية تتشكل من خلال الوعي والقراءة والحوار. فلماذا ذكرت ذلك وهل وجدت اختلافاً بين ما يكتبه الروائي السعودي والروائية السعودية في كتاباتهم؟ شكراً لكم.
الأستاذ يوسف المحيميد: شكراً لك. وجهة نظري دائماً أن تجنيس الأدب إلى أدب امرأة وأدب رجل أمر غير طبيعي؛ فلقد ذكرت قبل قليل أن هدى بركات الكاتبة اللبنانية تكتب بشكل متميز جداً بلسان الرجل فماذا نصنّف عملها؛ هل هو أدب ذكوري أو أدب نسوي؟ هذه مسألة غريبة بعض الشيء؛ فأنا حينما كتبت القارورة كانت بطلة الرواية من الغلاف إلى الغلاف امرأة هي منيرة الساهي، فهل هذا أدب نسوي أو أدب ذكوري؟ يجب فعلاً أن نتخلص من هذه المسميات.. حتى مصطلحات التي تطلق أحياناً في المهرجانات حينما نشارك في العالم العربي هذا أدب خليجي وهذا أدب مصري.. ربما يحتاجها النقاد من أجل وضع معايير للكتابة أو تحديد أطر للزمان أو للمكان لكتابة بحث ما، لكنها ليست بالضرورة مهمة حينما نتحاور حول عمل أدبي.
عريف الحفل: سؤال للأستاذ المهندس عبد الغني حاووط.
السلام عليكم. سعادة الأستاذ يوسف، من أهداف الرواية دائماً تسليط الضوء، إما لسرد توثيق أو لخير ننشره أو لشر نحذر منه، ثم يطرح الحل بعدها، لكن بعض الروايات لحداثتها ولعدم النضج الفني وضعف الحبكة الدرامية تلجأ أحياناً إلى كسر المحرمات فتسرد الأحداث والأحاديث كما يقال "بعجرها وبجرها" لتلفّ الرواية بهالة تجذب الانتباه وتحجب ملاحظة النقد الأدبي، فلا هي دلّت على خير ولا هي حذّرت من خطأ ولا اقترحت حلاً لمشكلة، فما هي وجهة نظركم بهذه الروايات وشكراً.
الأستاذ يوسف المحيميد: شكراً للسائل وأعتقد أنك تتحدث عن أمر آخر غير الرواية؛ فالرواية ليست كما تتصور لا تقدم حلاً ولا تناقش أمراً ولا تقدم خيراً ولا تدفع شراً، هذا الذي تتحدث عنه ربما هو الخطاب الاجتماعي والذي يقدم على أنه فكر. الرواية ليست فكراً بل هي فن أدبي خالص يستطيع أن يرصد لك ما يحدث في مكان ما برؤية أو برؤى مختلفة وبشكل محايد لا يقدم حلولاً لقضية، فالرواية لا تقدم هذه المسائل.. هذه يمكن أن تقدمها المقالة الصحفية مثلاً، أو المقالة الاجتماعية أو البحث الاجتماعي الذي يسعى للوصول إلى نتيجة في نهاية البحث وتقديم التوصيات لحل هذا المشكلة، أما الرواية فهي بريئة تماماً من هذا الأمر وأنا أؤكد لك ذلك، فهي يجب أن تكون بعيدة عن هذه المسائل والروائي الحقيقي هو من لا يجب أن يتوقف كثيراً عند هذه المسائل كالمحرمات التي يجب أن يبتعد عنها والأشياء التي يجب أن يتناولها.. الرواية لا تقنن، وليس للرواية لافتات تسير من خلفها.. الرواية تشبه عالماً غامضاً تدخل إليه ولا تعرف كيف تخرج منه. صحيح أن لديك أدوات ولديك خططاً لكتابة هذا العمل ولديك زمناً ولديك عدداً من الشخصيات، لكنك في النهاية لا تسعى إلى الوصول إلى هذه النتائج التي تذكرها. شكراً.
عريف الحفل: السؤال مع الأستاذ الإعلامي عبد الله روّاس.
أجدها مناسبة لأعبّر عن إعجابي الكبير بيوسف المحيميد فأنا متابع يومي لعموده اليومي في صحيفة "الجزيرة" ومعجب بطرحه الجاد والخالي من الثرثرة لكثير من الكتاب. أختصر لضيق الوقت فأقول: أين رواياتك أديبنا العزيز فنحن لا نجدها لنشتريها، وليت الأستاذ الكبير الشيخ عبد المقصود خوجه يوفر لنا كما عوّدنا دائماً بعضاً من هذه الروايات لنقتنيها وشكراً.
الأستاذ يوسف المحيميد: شكراً لك. طبعاً هذا موضوع شائك وكبير، ألا وهو كيف تتوفر الأعمال الروائية في الداخل. ليس بالضرورة لأن الأمر يخضع للرقابة فمعظم أعمالي الروائية مفسوحة ومجازة ويفترض أن تكون متوفرة، تباع أحياناً في مكتبات الداخل مثل مكتبة "جرير" ومكتبة "العبيكان" لكنها أيضاً ترتبط بعلاقة ما بين هذه المكتبات وبين الناشرين.. يعني أنا لا أملك أن أفرض على المكتبات ولا على الناشرين أن يتعاملوا مع الروايات بشكل جيد وأن تتوفر في كل مكان، فدوري ينتهي عند توقيع العقد مع الناشر وطباعة العمل وهذه إشكالية نعاني منها كثيراً، لكني أتمنى أو أعوّل على أن يحل الكتاب الإلكتروني في المستقبل كثيراً من هذه الإشكالات بحيث يصبح بإمكان المرء أن يقتني ما يريد من روايات بمجرد كبسة زر ويصبح العمل متوفراً لديه. شكراً.
عريف الحفل: السؤال للأستاذ المحاضر بجامعة تبوك، ياسر مرزوق.
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وطيّب الله أوقاتكم وليلتكم بالخير والمسرّات. شكري الجزيل لمضيفنا سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه والشكر أيضاً لأديبنا ومبدعنا الأستاذ يوسف المحيميد. سأتوجه ببضع كلمات إليك ومن ثم أطرح السؤال سريعاً: يوسف المحيميد أقدمتُ على دراستك وبي (لغط) داخلي من شخصيتك التي وضعت أسرارها في (قارورة) محكمة وأعتقد أنك ذهبت بعدها في نزهة تلاعب فيها (دلافين) لك من نوع خاص وتركتني في (فخاخ رائحة) الصحراء والمدينة تلك (المدينة التي لا يطير فيها حمام) ولا فكر، فقررت أن أرحل مع فتاك النجدي لعلّني أصل إلى شيء فكلفتني بذلك أطروحة للدكتوراه تحت مسمى ((التشكيل المكاني في روايات يوسف المحيميد-دراسة تحليلية)) مقدماً بها جهداً متواضعاً وتقديراً لهؤلاء الكتّاب المبدعين وعلى رأسهم أنت يا ضيف أمسيتنا الليلة، ولا أخفيك بأنني أحفر مع مكانك صخراً صلداً لكنني استمتعت وأستمتع بالحفر.. أرجو أن لا ينتهي سؤالي وطلبي إليك أيها العزيز، حدثني عن شيء من طقوس كتابتك وشكراً.
الأستاذ يوسف المحيميد: أشكر الأستاذ ياسر وأتمنى له التوفيق في هذا البحث خصوصاً أنه يتناول التشكيل المكاني وهو أمر كما أتصور مقلق ومرهق لأنه يتنقل بين الأمكنة التي تتنوع وتتبدل حتى في الرواية الواحدة، وهذا ربما يكون إلى حد ما مربكاً. طبعاً بالنسبة لطقوس الكتابة كما ذكرت قبل قليل في الورقة التي ألقيتها هو الشغف؛ حينما يقودك الشغف إلى الكتابة فأنت تستطيع أن تكتب تحت أي ظرف وفي أي مكان، هذا بشكل عام، وبشكل خاص لا أجدني منتمياً إلى آلية ثابتة في الكتابة، خصوصاً أنه يحدث لدي بعض التحول من عمل إلى آخر؛ فعلى سبيل المثال "لغط موتى" كنت أكتبها بعد منتصف الليل حتى ساعات الفجر الأولى، لكنني في البداية حينما اتخذت هذا الوقت الرائع -وهو وقت صمت وسكون لا مثيل له- تعبت صحياً ومرضت لفترة طويلة حيث ظللت لمدة أكثر من شهرين لا أستطيع الحركة.. يعني أصبت بما يشبه اختلال التوازن. بعد هذه التجربة المريرة كانت "فخاخ الرائحة" ومن بعدها أصبحت أكتب فجراً أي في الوقت المبكر بعد صلاة الفجر تقريباً وحتى شروق الشمس. هذه اللحظات هي أيضاً لحظات خلق نادرة وجميلة لا يمكن أن يقاطعك خلالها شيء وتشعر بصمت مهيب ويكون الذهن في نظري صافياً تماماً لالتقاط ما تريد أن تتحدث عنه أو تكتب فيه. في الغالب حينما أكتب فجراً أراجع ما كتبت ليلاً، وحينما أكتب قبل أن أنام فإنني أعيد مراجعة ما كتبت في الصباح، ليس الهدف من ذلك مراجعة ما كتبت فحسب، وإنما التهيئة للكتابة في الغد أو وضع الخطوة القادمة في كتابة الغد، وقد استمرت الكتابة لدي على هذا النحو وإن اختلف من عمل إلى آخر، لكن هذه الأوقات هي المناسبة لي لكي أكتب وهي إما في الفجر أو في المساء، لكن ما بينهما لا أستطيع أن أكتب شيئاً، في المقابل أيضاً ليس لدي كما قلت لك وقت محدد أرتبط فيه بالكتابة بل هي مسألة شغف، حتى على مستوى الأدوات الصغيرة كالورق والكتابة والكمبيوتر أيضاً لست ملتزماً بشيء من هذا؛ فأحياناً أكتب على الورق وأحياناً أخرى أكتب على جهاز الآيفون، يعني قبل فترة قريبة بدأت أكتب نصوصاً قصيرة جداً أشبه بقصائد الهايكو لا أريد منها أن تنشر في المستقبل لكنها تحقق شيئاً لدي، فحينما أجد مشهداً عابراً جميلاً ومثيراً وأجد الكلمات جاهزة أدوّن نصاً قصيراً ربما لا يتجاوز عشرين كلمة مثلاً لدي في الجوال، كذلك أدوّن بعض الأفكار لرواية أعمل عليها، وتجدني أحياناً في لحظة تدوين الفكرة أفاجأ بأنني جلست أكتب بعدما استمتعت في اللحظة وأكملت فصلاً جديداً. هي إذاً لحظة شغف -كما قلت لك- لا يربطها لا أدوات محددة ولا مزاج ثابت، هي لحظة الذهاب إلى الكتابة في أي حال وفي أي وقت ودونما تخطيط أحياناً.
عريف الحفل: السؤال الأخير للأستاذ عجلان أحمد الشهري.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكراً جزيلاً لراعي هذه الأمسية الشيخ المفضال عبد المقصود خوجه أطال الله في عمره ومتّعه بالصحة والعافية وجميع الحاضرين، وشكراً للأستاذ يوسف المحيميد على هذا اللقاء الرائع جداً الذي تجلّت فيه شخصيتكم المعتدلة والواثقة والتي كما أرى تعمل لهدف كبير أسأل الله أن يحقق أهدافكم الخيّرة. أعجبت كثيراً عندما قلت إنك تركز في رواياتك المتعددة على الشخصيات المهملة، وأعتقد أن هذا شأن الكثير في الداخل والخارج ومن هنا تكسب هذه القاعدة العريضة من القراء وتحقق أيضاً أهدافاً فيها الغث وفيها السمين. لا أدري يا أستاذ يوسف عندما تكتب الرواية هل تحمل همًّا وتحمل رسالة قبل أن تكتبها وهدفاً تسعى إليه؟ ومن ناحية أخرى، ما هي تلك الأهداف العامة والمبادئ التي تسعى إلى غرسها في قرائك وجزاك الله خيراً.
الدكتور يوسف المحيميد: شكراً لك، طبعاً في البدء يجب أن نفصل دائماً بين السارد وبين الشخصيات؛ فحتى لو كان لدي أنا بعض الهموم أو بعض الأفكار التي أريد أن أسربها لهذه الشخصية أو تلك فإن الأمر يبقى محدوداً، لأن فشل الرواية يكمن باستمرار في عدم قدرة السارد على الفصل بين نفسه كسارد خارجي وبين شخصياته؛ فحينما يتدخل الروائي عبر أفكاره الكبيرة ويقحمها في شخصية سائق تاكسي على سبيل المثال، تكون هذه أولى بوادر فشل العمل لأن هذه الشخصية لا يمكن أن تتقبل أفكاراً كبرى وهو مجرد إنسان بسيط يبحث عن كسب عيشه، فحتى لو كان لدي مثل هذه الأفكار فإنني أستطيع أن أسربها أحياناً عبر بعض الشخصيات أو بعض السلوكيات، فحينما تتعرض شخصية ما إلى اضطهاد وتشير في هذه الرواية إلى هذا الموقف فأنت إذاً تريد أن تقول شيئاً دون أن تقوله تماماً، يعني لحظة الإيحاء حينما ترسم مشهداً بصرياً لشخصية تتعرض لمثل هذا الموقف، فهذا بحد ذاته كافٍ.. نحن نفترض دائماً أن القارئ أكثر ذكاءً مما نتوقع؛ فالقارئ حينما يقرأ ويتأثر من الداخل فإنه يتأثر فقط لهذه المشاهد التي يراها وليس علينا بالضرورة أن نحمل هذه الشخصيات أكثر مما يجب، وأن نجعلها تنطق عن لساننا ما نريد. هذه المسألة مهمة طبعاً وبالتأكيد فإن أي كاتب لا بد من أن تكون لديه رسالة ولا بد من أن يكون لديه هدف لكنه يجب في هذه الحالات الحذر من أن يمرر هذه الأفكار أو الرسائل إلى شخصيات قد لا تكون متوائمة مع هذه الأفكار. شكراً.
 
طباعة
 القراءات :290  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 84 من 163
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.