شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
المستشرقون والمبشرون في العالم العربي والإسلامي
الأستاذ إبراهيم خليل أحمد
في الواقع.. ليس هذا أول كتاب من نوعه في اللغة العربية، عن المستشرقين والمبشرين، لكنه أول كتاب -فيما يبدو- يكتبه رجل كان قبل أن يسلم، يشتغل بالتبشير ومن هنا -فيما أعتقد- ميزة هذا الكتاب العجيب.. رغم أنه موجز -كما ترى.. ومع ذلك فهو حافل بالكثير من "حقائق" يندر أن يصادفها القارئ في كتاب آخر يبحث في هذا الموضوع.
إن قصة المستشرقين والمبشرين في العالم الإسلامي.. قصة عجيبة حقاً.. وهي قصة مثيرة في نفس الوقت.. ترينا إلى أي مدى بعيد يحاول المستشرقون والمبشرون متعاونين.. أن يشوهوا من صورة الإسلام، بقدر ما يستطيعون؛ آملين بذلك -ولو على المدى البعيد في حسابهم إقصاء الإسلام عن واقع المسلمين!
إن قصة هؤلاء المستشرقين والمبشرين في العالم العربي والإسلامي ليست جديدة على أي حال.. وليست غريبة على الأسماع.. إنها قصة حقد ران على النفوس.. حقد موروث من مئات السنين. وهيهات له أن ينتهي أو يزول! إنه حقد على الإسلام: العدو الأول لكل المذاهب الباطلة، ولكل الوثنيات، ولهذا فإن مؤامراتهم ضده مستمرة.. مهما واجهوا من فشل.. ومهما كانت العقبات!
وسيرى القارئ -من خلال هذا العرض السريع للكتاب- ألواناً من تلفيقهم ومن سخفهم، يسردها المؤلف سرداً أميناً ومركزاً، بعد أن يروي لنا نبذة من قصة حياته.. ثم نقطة تحوله من المسيحية إلى الإسلام..
نقطة التحول:
"كيف اهتديت للإسلام"؟
يقول المؤلف: "من العجب العجاب إنني في نشوة انتصاراتي بالعمل التبشيري، وفي فترة إعداد نفسي لنيل درجة دكتوراه في الفلسفة واللاهوت من جامعة برنستون بأمريكا.. وفي استعدادي وإعدادي للرسالة.. أردت الهجوم على الإسلام بمهاجمة القرآن الكريم، ويشاء الله أن يقهرني بالقرآن الكريم، ليسمعني صوته بقوله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا، يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدًا (الجن: 1-2)".
كان لهذه الآية وقع في نفسي، إذ جعلتني أفكر تفكيراً حراً نزيهاً، وأحسست بأن الله الذي علمني ما لم أعلم يستطيع أن يجردني من العلم والمعرفة، ويتركني للذل والهوان، لكن إرادته لهدايتي جعلته يفيض علي من أنوار هذه الهداية.
ووجهني إلى إرادته ومشيئته..
والحق أن ما قرره القرآن الكريم هو الصدق اليقين: فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ (الأنعام: 125)..
"الحمد لله الذي هداني لهذا.. وما كنت لأهتدي لولا أن هداني الله"..
اعتناقي للإسلام.. واعتزازي بالانتساب إليه
لقد أراد الله لي خيراً، فهداني للإسلام بينما أنا في جهالتي وحماقتي أردت للإسلام تقويضاً.. وللمسلمين أن يدخلوا في رحاب النصرانية.. فعفا الله عما سلف..
وأمام رضوان الله -جل وعلا- رأيت ضرورة حسم الموقف بخطوة إيجابية.. وهي اعتزال الخدمة الدينية، واعتزال الأهل والعشيرة والأصدقاء الذين ربط الزمن مصيري بمصيرهم.. وكنت أسير معهم على فلك واحد.. فتقدمت إلى المسؤولين بالإرسالية الألمانية السويسرية وأعربت لهم عن اعتزالي للخدمة الدينية.. فاستنكروا علي هذا القرار وأرادوا أن يمنحوني إجازة طويلة لتدارك الموقف.. فأصررت على موقفي..
والواقع أن تصميمي على هذا الموقف كان نتيجة لما تذوقته من صفاء العقيدة الإسلامية، وما تحققته من جهاد الرسول الكريم، والصحابة -رضوان الله عليهم- في نشر دعوة الإسلام في إيمان صادق مع التزام الأمر الرباني: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (البقرة: 256).
وهل يستطيع المرء أن يهاجم الإسلام بعد أن تبين له الرشد من الغي؟
الحق أقول: إن القرآن قد غلبني على أمري، وغلبت إرادة الله إرادتي... وكان القرار بترك الخدمة الدينية قراراً حاسماً للموقف..
القرار الذي اتخذته لإشهار إسلامي..
.. تدارست الأمور كلها من كل جوانبها، من الناحية الزوجية، ومن ناحية أبنائي.. ومن ناحية العمل الذي هو مصدر رزقي، ووجدت أنه لا بد من مواجهة الحقائق دون تردد..
وفي 25 ديسمبر سنة 1959 أرسلت خطابين:
1- خطاباً إلى السيد الدكتور جون طمسون رئيسي أعرب له عن رغبتي في اعتناق الإسلام ديناً..
2- خطاباً إلى محافظة القاهرة لإشهار إسلامي.
وقد كان للخطاب الأول آثار عكسية، الأثر الأول تكتل أرباب البيوت التجارية الكبيرة عن التعامل معي، ووجدت نفسي في عزلة عن النشاط التجاري، وبالتالي كان لهذا الموقف تأثير قوي على "رغيف العيش".. وتغلبت على هذه المشكلة بالاستعانة بما ادخرته من مال.. حتى يتبلور الموقف نهائياً.. الأثر الثاني: هجر زوجتي إياي، وتركها الأبناء، وقد تغلبت على هذه المشكلة بالإيمان والصبر...
أما الخطاب الثاني فكان من آثاره تحديد جلسة للمناقشة والمواجهة من قساوسة جاءوا إلى منزلي فزعين مساء يوم ثلاثاء من يناير سنة 1960م.. وما إن علمت بموعد الجلسة حتى تهيأت لها.. وما إن جاء شهر فبراير حتى أُحيلت الأوراق إلى الشهر العقاري للتسجيل.. ولما أيقنت الزوجة أن الأمر صار مقضياً به استأذنت في ترك المنزل وأذنت لها وأنا عالم بطرق التبشير المرير لإصرار زوجتي على موقفها كمسيحية..
* * *
ثم يقول:
... وهكذا واجهت هذه المتاعب في صبر وإيمان وشققت طريقي إلى تنفيذ الإجراءات الرسمية حتى تم كل شيء على خير ما يرام ففي 30/5/1960 صدر القرار الوزاري كاملاً من وزارة الصحة العمومية قسم المواليد بتغيير الاسم والديانة إلى مسلم، لي ولأبنائي.. الأربعة والحمد لله على هذه الهداية الطيبة..
* * *
... وفي فبراير 1961 عهد إلي السيد الأستاذ محمد توفيق عويضة باستدعائي إلى مكتبه.. وعلى أثر هذه المقابلة الطيبة تمت مقابلة ثانية تم فيها تعييني بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بوظيفة خبير في الشؤون الدينية.. الخ..
... وهنا ظهرت حكمة الله في هذا الاختيار، وأعتقد يقيناً أن الله أراد أن يجعلني في خدمته وفق طريقه المستقيم.
أشهر المؤسسات التعليمية في الشرق العربي
1- جامعة القديس يوسف في لبنان.
2- الجامعة الأمريكية في بيروت.
3- الجامعة الأمريكية في القاهرة.
4- الجامعة الأمريكية باستانبول.
5- الكلية الفرنسية في لاهور..
منشور للجامعة الأمريكية..
أصدرت الجامعة الأمريكية في بيروت في عام 1909 منشوراً رداً على احتجاج الطلاب المسيحيين لإجبارهم على الدخول يومياً إلى الكنيسة -يتضح من المادة الرابعة منه طابع هذه المؤسسة وأمثالها إلى ونص هذه المادة:
"إن هذه الكلية مسيحية، أسست بأموال شعب مسيحي، هم اشتروا الأرض، وهم أقاموا الأبنية وهم أنشأوا المستشفى وجهزوه، ولا يمكن المؤسسة أن تستمر إذا لم يسندها هؤلاء، وكل هذا قد فعله هؤلاء ليوجدوا تعليماً يكون الإنجيل من مواده، فتعرض منافعه الحقيقية المسيحية على كل تلميذ.. وكل طالب يدخل مؤسستنا يجب أن يعرف سابقاً ماذا يطلب منه".
كما أعلن مجلس الأمناء بالكلية في هذه المناسبة أن الكلية لم تؤسس للتعليم العلماني، ولا لبث الأخلاق الحميدة.. ولكن من أولى غاياتها أن تعلم الحقائق الكبرى التي في التوراة، وأن تكون مركزاً للنور المسيحي.. وللتأثير المسيحي.. وأن تخرج بذلك على الناس وتوصيهم به..
حقيقة العمل التبشيري..
العمل التبشيري بين المسلمين فن من الفنون، يحتاج إلى تدريب ودراية كاملة، يتوقف عليها استعداد المرء الفطري من الذكاء وسرعة البديهة وقوة الجلد والصبر على المكاره، وتحمل المشقات والعوز دون تذمر أو تضجر، ورجحان الفكر، ونضوج العقل، وسعة الصدر، وقوة الإدراك.. لينفذ إلى أعماق السائل أو الطالب، ويدرك ما يخطر على باله من أسئلة.
وينقسم العمل التبشيري إلى ثلاثة أقسام:
1- التبشير بين الجماعات وهذا يحدث بالمدارس والمستشفيات وفي الندوات الدينية الليلية..
2- التبشير مع الفرد الواحد، وهذا يحتاج إلى مثابرة وصبر واستعداد للترحاب بالضيف وتخير كل إمكانيات الود والصداقة حتى يأنس إليه الفرد ويثق به، وهنا يصبح آلة مسخرة يكيفها المبشر كما يشاء، ويصل بها إلى النصرانية طواعية واختياراً.
3- العمل التبشيري الصامت، وذلك بتوزيع الكتاب المقدس والنشرات الدينية والصور، والأيقونات.. ومن الكتب الجدلية الخطيرة -التي يستعين بها المبشر للوصول إلى غايته- هذه المجموعة.. وهي:
1- كتاب "ميزان الحق" للدكتور غاندر، المستشرق الأمريكي، والدكتور سنكلير تسدل.
2- كتاب "الهداية" ويقع في أربعة أجزاء وهو تفنيد مريع للإسلام، وطعن سافر للقرآن الكريم.
3- كتاب "مقالة في الإسلام" للدكتور المستشرق سال.
4- كتاب "مصادر الإسلام" للدكتور سنكلير تسدل.
وهذه الكتب الأربعة تعتبر للمستشرقين والمبشرين من أخطر المراجع للهجوم على الإسلام، والقرآن الكريم، والرسول الأمين.
ولا يفوتني أن أشير إلى جهاد المسلمين في هذا الصدد، فقد هب رجال من المسلمين للدفاع عنه.. والذود عن الرسول الكريم.
والكتب الآتية هي ردود على ما جاء بالكتب المذكورة آنفاً:
1- "إظهار الحق" للشيخ خليل رحمة الله.
2- "السيف الحميدي الصقيل" للرد على كتاب الهداية.
وإذا شاء القدير أن يبوئني المكانة الثقافية الدينية التي تخول لي حق البحث والكتابة فسأقوم بفضل الله بالرد على كتابي "مقالة في الإسلام" و "مصادر الإسلام" وكتاب ثالث متداول بين أيدي جمهور المسيحيين، هو "المسيحية في الإسلام" للأيفومانس إبراهيم لوقا، والله المستعان.
* * *
والعمل التبشيري في الدول المختلفة يسير على نمط واحد مع مراعاة مقتضى المقام، فمثلاً الناحية الشعبية التي يتميز بها المستشفى غير الناحية الخاصة التي تتميز بها الكلية ولهذا يتلخص العمل التبشيري في هذا الأسلوب:
1- التبشير بالفانوس السحري.
2- التبشير بسرد قصص الأنبياء والتابعين لهم والمتواترة بين المسلمين.
3- التبشير بإلقاء المواعظ في المناسبات العامة: الجنازات، الاحتفالات العلمية.
4- التبشير بإلقاء المواعظ السافرة المقارنة.
العمل التبشيري بالمدارس
... يسير العمل التبشيري بالمدارس بحسب تدرج المراحل التعليمية، ففي مرحلة التعليم الجامعي والثانوي يأخذ التبشير أسلوب المناقشة بالبحث العلمي، ويحاول المبشر أن يتحدث كثيراً على الكتب الإنكليزية أو الفرنسية، ومما لوحظ أن هؤلاء الطلبة ليسوا على شيء من المعرفة والفقه بالأمور الدينية، وهذا مما يساعد على العمل التبشيري مساعدة إيجابية..
ويذهل المسلم حين تبشيره بالنصرانية من القرآن الكريم، وتظهر عليه علامات الدهشة التي تستغل استغلال حكيم في تكييف الموقف.. فمن الآيات الدالة على تدعيم الوحدانية بحسب العقيدة المسيحية قوله تعالى:
قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ (البقرة: 136)..
إلى هنا نكتفي من الآية وهيهات أن يتذكر المسلم بقية الآية وهي قوله تعالى: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (البقرة: 136).
رواسب التبشير والاستشراق
.. هذه الحقائق سالفة الذكر مريرة، ولكنها كانت رواسب للتبشير والاستشراق.. بل توجيه سافر من الاستعمار الذي ظل حتى سنة 1882، وهو يهدف إلى شل القيم الدينية الإسلامية.. وإلى الازدراء باللغة العربية بصورة إيجابية، وذلك بتقويم العلم، وتمجيد الحضارة الأوروبية.. والاستمساك بأهداب المدنية الغربية..
وقد نجحوا إلى حد ما في هذا.. إذ خلقوا لفترة السبعين سنة خلت أجيالاً متعاقبة لا تفقه من الإسلام شيئاً.. ولا تحفظ من القرآن إلاّ آيات معدودات..
ولهذا كان من اليسير غزوهم وبلبلة أفكارهم..
ويقول الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف الأسبق ما نصه:
"وكان المبشرون والمستشرقون آمنين في عملهم. إذ أيقنوا أن المؤسسات الإسلامية -على تعددها وتنوعها- لم تعرف للآن وضعية التبشير والاستشراق في توجيه الشعوب الإسلامية.. حتى تحاول أن تلقاها.. فضلاً عن أن يكون لقاؤها إياها ضعيفاً أو قوياً.." الخ..
* * *
... وهم يتجهون دائماً في عملهم التبشيري الفردي إلى ادعاء أن القرآن الكريم موضوع وليس موحي به من الله.. وإلى أن الفلسفة العربية أفكار يونانية كتبت بأحرف عربية، وأن اللغة العربية لم تعد صالحة اليوم لاستيعاب كل الأغراض بدليل الكلمات الأجنبية الدخيلة على العربية..
كما يجتهدون في إحياء الشعوبية بين الدول الشرقية: الفرعونية في مصر، والآشورية في العراق، والبربرية في شمال إفريقية، والفينيقية على ساحل فلسطين ولبنان.. ويفضلون اللغة الفارسية في إيران -كلغة آرية- على اللغة العربية -كلغة سامية.
السياسة العامة للتبشير والاستشراق
سلك المبشرون والمستشرقون كل مسلك ظنوه محققاً لأهدافهم واستطاعوا أن يتسللوا إلى المجمع اللغوي بمصر.. والمجمع العلمي بدمشق.. والمجمع العلمي ببغداد.. كما تدخلوا -بتأييد الاستعمار- إلى مجال التربية والتعليم محاولين غرس مبادئ التربية الغربية في نفوس المسلمين ونجحوا في هذا إلى حد كبير..
ومن خططهم المدروسة: المؤتمرات..
ومن هذا يستطيع المرء أن يدرك مدى خطورتهم وتداخلهم في المجالات العلمية.. وهم يعملون وفق خطط مدروسة، حيث يجتمعون في هيئة مؤتمرات بين الحين والحين..
وقد تركزت أهداف الاستشراق والتبشير أخيراً -مع تنوعها- في خلق تخاذل روحي ومعنوي.. وإيجاد شعور بالنقص.. في نفوس المسلمين والشرقيين عامة.. وحملهم من هذا الطريق على الرضا والخضوع للتوجيهات الغربية..
ومنهم نفر اشتغلوا بالآداب الشرقية والعربية والعلوم الإسلامية ثم ساروا بدراساتهم إلى الموازنة بين الآداب الغربية وسحرها وكمالها.. والآداب العربية (الإسلامية) وتخلفها عن ركب الحياة..
ومن المؤتمرات التي عقدوها وتدارسوا فيها منهاج سياستهم:
1- مؤتمر القاهرة عام 1906م.
2- مؤتمر بيروت عام 1911م.
3- مؤتمر القدس عام 1924م.
4- مؤتمر القدس عام 1935م.
5- مؤتمر دلهي بالهند عام 1961م.
وهم فيما يخرجون به من قرارات، ما يستطيعون تنفيذه.. فهم لا يدعون المسلمين إلى المسيحية.. بل يحاولون تشويه الإسلام وإضعاف قيمته.. ثم يصورونه ويصورون المسلمين للرأي العالمي الأوروبي والأمريكي بصورة مزرية.. بعيدة عن المستوى الحضاري في عصرنا الحاضر..
* * *
.. وإذا كانت الدول الإسلامية قد سمحت لهؤلاء المستشرقين بأن يساهموا في المجمع اللغوي، فهل عرفت هذه الدول آراءهم في الإسلام والمسلمين قبل أن تسمح لهم بذلك؟ هذه حقيقة ينبغي ألاّ تغيب عن الذهن.
ومن مؤلفاتهم المشهورة:
1- دائرة المعارف الإسلامية.
2- دائرة المعارف (القسم المتصل بالإسلام والعرب).
3- دراسة في التاريخ "القسم المتصل بالإسلام والعرب" للمؤرخ أرنولد توينبي.
4- حياة محمد، للسير وليم موير.
5- الإسلام، لألفرد جيوم.
6- الإسلام، باللغة الفرنسية، تأليف هنري لامنس.
7- طريق الإسلام، تأليف جماعة من المستشرقين منهم هـ.أ.ر.جب، وقد ترجم إلى اللغة العربية.
8- ترجمة القرآن وضع هـ.ج. أربري.
9- الإسلام، تأليف صموئيل زويمر.
السياسة التوجيهية العامة:
إن مجال نشاط المستشرقين والمبشرين يبلغ المدى البعيد بين صفوف رجال التوجيه في بلدان الشرق.. ولهم في ذلك وسائلهم الخاصة في تفريق شمل المسلمين.. وإضعاف شوكتهم، والعمل على الغض من اللغة العربية التي هي في نظرهم لغة القرآن الكريم.
ووسائلهم في توجيه الرأي العربي إلى ما يريدون -بطريق غير مباشر- يتم بصورتين:
الصورة الأولى:
استخدام تلاميذ المستشرقين والمبشرين من الوطنيين الذين درسوا بجامعاتهم وتشربوا بمبادئهم، وهؤلاء قد أصبحوا قادة الفكر -إنما ينفذون سياسة المستعمر بقصد أو بغير قصد منهم... وبإيحاء من توجيهات المستشرقين والمبشرين.
الصورة الثانية:
قيام بعض الغربيين بمؤلفات عن الثقافة الإسلامية، وعمل موازنات بينها وبين الثقافة الغربية (النصرانية) ثم العمل على تشويه الحقائق..
* * *
.. وينتهز المستشرقون هذا اللون من الكتابة فيدونون -باسم البحث العلمي- كتباً في علم الأجناس ونفسية "فسيولوجية" الشعوب فيها ويخرجون من هذا بقولهم: إن مفهوم الإسلام يختلف باختلاف الشعوب.. فهناك إسلام الهند.. وإسلام تركيا.. وإسلام البربر في شمال أفريقية.. وإسلام مصر.. وإسلام الملايو.. وإسلام إندونيسيا.. وإسلام الصحراء الكبرى.. وإسلام إفريقية السوداء.. وكل إسلام يختلف عن الآخر باختلاف الجنس.. ولكل إسلام في فهم القرآن والسنة طريق خاص يوافق المصادر التي يستقي منها منهاجه وشريعته..
* * *
.. ومن الشرائع الإسلامية التي حولوها عن أهدافها الحقيقية.. تعدد الزوجات، وإباحة الطلاق.. وقد ظنوا أن الرجل بسيادته على المرأة لا يجد فيها إلاّ متعة ولذة.. وهذا ما كتبه اللورد كرومر في كتابه (مصر الحديثة) إذ يقول: "إن الرجل المسلم يتمسك بإسلامه لما يمكنه الإسلام من السيادة على المرأة، وهو في تمسكه بالإسلام أشد تمسكاً به من المرأة المسلمة، ويعلل هذا الافتراض بأنه ظاهرة في الحياة الإسلامية.. ترجع إلى اختلاف وضع كل من الرجل والمرأة في الإسلام على النحو المشار إليه".
الاستعمار لا يزال يناهض الإسلام
والاستعمار يتربص بالعرب والإسلام الدوائر، بعمل إيجابي أيضاً هو تمجيد القيم الغربية المسيحية بمقارنتها بالقيم الإسلامية.. والتيئيس من التضامن والتكتل الإسلامي.. ليصل بذلك إلى تفتيت وحدة المسلمين إلى الأبد.. ومظهر هذا التمجيد للقيم الغربية يظهر في إبراز التفوق الغربي في الصناعة.. وبالتالي في زيادة الدخل الخاص والعام وازدهار المدنية والحضارة.
* * *
لقد كان المبشرون والمستعمرون بالأمس يسخرون من الرسول الكريم (صلوات الله وسلامه عليه) ويطعنون في القرآن الكريم.. بل كانوا يتجاهلون السيرة النبوية وما للرسول الكريم من آثار خالدة في الجهاد.. إنهم يكتبون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما شاء لهم من الخيال ليخفوا عن أنفسهم آلام هزائمهم أمام المسلمين في الحروب الصليبية..
وقد بلغ من حقدهم في عداوتهم للإسلام أن كنيسة روما في سنة 1530م أحرقت في مدينة البندقية نسخة من القرآن الكريم وحرم البابا إسكندر طبعه أو طبع ترجمته، وكان المستشرقون -ليبرروا ترجماتهم للقرآن الكريم- يمهدون لأعمالهم بمقدمة وتذييلات لتفنيد القرآن الكريم ودحضه، وإثباتاً لحسن إيمانهم بالكنيسة وبالكتاب المقدس ودفعاً للشبه أمام أهل ملتهم.. هذا والقرآن بإعجازه: كالجبل الراسخ.. لا يعبأ بترهاتهم ولا تنال من حقائقه أكاذيبهم.
لا يستطيع بنو البشر أن يطفئوا نور الشمس
من الفيوضات الربانية للأمة الإسلامية أن هذه الحركات التبشيرية قد خدمت الإسلام والمسلمين. فظهر في الإسلام رجال دافعوا عن الإسلام.. وكتبوا كتباً أصبحت مع الأيام مراجع علمية زاخرة.. كما قيض الله من بين رجال الغرب علماء أنصفوا الحقيقة فكتبوا أروع ما كتبوا عن الإسلام والقرآن الكريم هذا بالرغم مما بذله الاستعمار بنفوذه ودهائه ومؤازرته للتبشير بالفكر المسيحي وبحضارة المسيحيين.. تيئيس المسلمين في صور شتى في مستقبلهم وفي علاقاتهم بالإسلام..
بالرغم من كل ذلك وجد من قادة الفكر الحر من الغربيين ومن المسلمين من تصدى لمثل هذه الضلالات في أوروبا وفي آسيا وإفريقية..
لقد أخذ الإسلام مع بزوغ القرن الثامن عشر وفي العصر الذي يسمونه بعصر النور والإصلاح -أخذ من قادة الفكر الغربي اعتباراً جعلهم يحسنون تقديرهم للإسلام شيئاً فشيئاً على نحو مستمر، ولكنه لا يكاد يحس به إنسان من فرط بطئه.. فهناك الآن رجال أحرار ينصفون الإسلام في كتاباتهم، ويستعينون بمراجع غير تلك التي كتبها المستشرقون والمبشرون..
وفي الهند ظهر "محمد إقبال" يهاجم القاديانية هجوماً عنيفاً.. من الوجهة الإسلامية والوطنية.. وفي مصر ظهر الإمام الشيخ محمد عبده يهاجم الاستشراق، ويضطره هذا الهجوم إلى الكتابة عن نوايا الإسلام بالنسبة للمسيحية.
ومع هذين الرجلين محمد إقبال ومحمد عبده ظهر جمال الدين الأفغاني في الفترة من سنة 1839-1893م في أوج الحركة التبشيرية والنفوذ الاستعماري في الشرق..
ظهر يحمل على السيد أحمد خان وينقد كتابه وفلسفته (السلوك الطبيعي) نقداً مراً في كتابه "الرد على الدهريين"..
هؤلاء الثلاثة كانوا من المفكرين.. وكان ثلاثتهم من السياسيين، أصحاب التوجيه ضد الاستعمار..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1429  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.