شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ جمال أحمد حمزة خاشقجي))
بسم الله الرحمن الرحيم معالي الدكتور سيداتي سادتي الأخوة الزملاء والزميلات، أشكركم جميعاً والشكر موصول لمعالي الشيخ عبد المقصود خوجه الذي ندعو له جميعاً بالشفاء، فهو يستحق ألف تكريم وتكريم، عندما اتصل بي الشيخ عبد المقصود قبل عدة أشهر وأخبرني بنيته في دعوتي وتكريمي تحيرت، لماذا يريد الشيخ أن يفعل هذا؟ عندما استمعت إلى كلمته فهمت لماذا؟ هو لم ينظر إليّ كرئيس تحرير فأنا حتى الآن لم أكمل عاماً كاملاً، وأنا من رؤساء التحرير الذين كانوا يعدون الأيام، والآن أعد الأسابيع والشهور، فلم أكمل عاماً كاملاً حتى الآن، ولكن تنبهت إلى أفكار مهمة في كلمته، الشيخ يريد أن يكرم من يدعو إلى الرأي الآخر، من ينافح عن الرأي الآخر، من لا يريد أن ننساق جميعاً خلف رأي واحد وهوى واحد وهذا الشيء مفيد وضروري ونحن نعيش في بلادنا لحظة تحول هامة، ولحظة تحول لا تحتمل النفاق والقوالب، وإنما من يريد أن يخرج عن القوالب إلى ما هو أفضل منها دون المساس بالثوابت، في كلمته أيضاً توسع في الحديث عن الإرهاب وخطر الإرهاب، وأراد أن يكرم من يقف بشكل حازم دون تبعيض دون لكن، عندما يتحدث عن الإرهاب، وكثير بيننا من يتحدث عن الإرهاب ويشتم الإرهاب ولكن يبعِّض، يختار إرهاباً ويسكت عن إرهاب آخر، فأعتقد أن الشيخ يريد أن يكرم هذا الموقف أيضاً، وأيضاً أعتقد أنه بتكريمه لي فإنما يريد أن يكرم جيلاً من الصحفيين، الذين اتخذوا الصحافة مهنة واحترافاً وتدرجوا في مناكبها اعتماداً على تجارب وخبرات ومقالات وتحقيقات وانفرادات، جيل شق طريقه بنفسه، دون مساعدة من أحد، شق طريقه بالاعتماد على الخبرة وعلى المهارة وعلى السبق الصحفي، الذي كنا نتنافس فيه معاً كصحفيين وأحياناً كثيراً بنينا هذا الجيل على إحباطات أحياناً على أخطاء نرتكبها ولكن كانت دائماً محاولات من أجل أن نقدم صحافة مختلفة، أمضينا طريقنا، أنا وزملائي من أبناء هذا الجيل للصحافة نتنقل بين الصحف، نبحث عمن يعطينا مساحة أفضل للنشر، ولا بأس في بعض الأحيان بالراتب الجيد، لذلك فإننا اتخذنا الصحافة مهنة أصلية نعتمد عليها ونقتات ونعتاش منها، مهنة أصلية، وليست هواية، وليست مهنة بجانب مهنة أخرى.
وهذا يعني أمراً مهماً جداً للصحافة لكي تنجح في بلادنا، أن تتحول إلى احتراف والصحافة تستحق منا هذا، ولو خلط الصحفي ما بين مهنته كصحفي ومهنة أخرى تتداخل المصالح، وهذا يحصل كثيراً، وهذا من أهم نقاط الضعف في صحافتنا، تداخل المصالح وتداخل الوظائف، وإذا كان الاحتراف والتفرغ ضرورييْن في كرة القدم فهو أدعى في الصحافة، من جيلي شباب كثير نجح وحقق مواقع وسوف يحقق مواقع أفضل، أذكر منهم مثلاً الزملاء، وأنا اخترت أسماء دون إغفال لآخرين، مثل أخي طارق الحميد، هاني نقشبندي، صلاح جندي، مشاري الذايدي، عمر المضواحي، وجدي جندي، سليمان العقيلي... نحن لا نعرف سوى مهنة الصحافة، وأحياناً لا نريد مهنة غيرها، منذ بداياتي تعرفت على الاثنينية وصاحبها، وحضرت أول اثنينية أذكر في بيت الشيخ عبد المقصود القديم في شارع الروضة للشاعر المرحوم عمر بهاء الدين الأميري، والذي اهتممت به لا لشعره وإنما لتجربته في العمل السياسي، فهذا جانب تخصصت فيه، وقد صنعت اسمي بالاهتمام بالعمل السياسي الإسلامي، أتذكر أن جهاد الخازن وقد كرم في هذا المكان من سنوات، وكان رئيسي عندما عملت في "الحياة"، كان يقول لي طالما أصحابك نشيطين، ويقصد الإسلاميين، فسوف يكون لك مكان في الصفحة الأولى دائماً عندنا، وبالفعل جاءت فترة التسعينات كانت دائماً هناك أخبار في الصفحة الأولى من "الحياة"، سواء كان من فلسطين أو أفغانستان أو غيرها. كان للأستاذ عمر الأميري فضل كبير علي، ذلك أنه عزز في نفسي روح الاعتدال، فقاومت بها موئل التشدد والغلو الذي أصاب بعضاً من شباب الحركة الإسلامية في التسعينات، بل هذه الروح التي زرعها الأستاذ الأميري بسماحته ولدت عندي رفضاً ومقتاً لهذا التطرف، فأحياناً، عندما أكتب يجد البعض عندي بعض الشدة في الكتابة على هؤلاء المغالين، ذلك أنهم قد تعدوا على أقدس شيء عندنا وهو ديننا، هؤلاء يزعمون أنهم ينافحون عن الدين، بينما هم أقسى من يسيء إلى الدين بغلوهم، وتوالى حضوري جلسات "الاثنينية" مستمعاً ولم أحلم يوماً أن أكون مكرماً في هذا المكان، فقد سبقني إلى هذا المكان وإلى هذا الموقع عمالقة، وأعتقد أني لا أستحق أن أكون أو أن اصطف بينهم.
ليس في سيرتي الصحفية شيء يذكر أو مفيد إلا لشاب يريد أن يمضي في هذا الطريق، فلعله يلتمس بعض الأفكار التي قد تساعده لكي يمضي في هذا الطريق، قصص الصحفيين من الذين احترفوا الصحافة متشابهة، ودائماً متكررة، فالتعلق بالصحافة دائماً يبدأ مبكراً منذ الدراسة الابتدائية، المشاركة في صحف الحائط، نفس الشيء مر علي، عملت صحيفة حائط مثل غيري من الصحفيين، ولو رجعنا في سيرة معظم الصحفيين لوجدنا بعض الأنشطة، ليس دائماً، أنا لي مزاج في تتبع المجلات القديمة، فوجدت أن مجلة كان رئيس تحريرها الشيخ صالح كامل، الشيخ صالح كامل لم يتحول إلى صحفي ولكن علاقته بالإعلام قوية، ولكن أذكر أنه في مجلة ما زالت موجودة عندي رئيس تحريرها الشيخ صالح كامل، ربما "الثغر" أو نحو ذلك لا تحضرني الآن، في الجامعة عندما كنت في أمريكا كنت قريباً من التيار الإسلامي، فعملت رسائل في المسجد، كنت أنتقي فيها مختارات من عينات المجتمع الأمريكي القريبة من الإخوان المسلمين وأذكر أني خلطت بين مقالات المجتمع وبين مقال لمشعل السديري، ربما أبو نواف يتعجب من ذلك، لكن يومها كتب مقالة يهاجم فيها القومية العربية وفي تلك الأيام كان يعني لنا نحن الشباب الإسلامي المتحمس موقف حاد من القومية العربية، أعترف أني تخليت عنه، فالقومية العربية تغيرت ومفهومها تغير، أتذكر أيضاً في عملي الصحفي أو في وقفاتي في العمل الصحفي، رحمة الله عليه عبد القادر طاش، كان أستاذاً لي عملت معه في إصدار مجلة كنا نعملها كطلبة في أمريكا اسمها مجلة "الأمل". وأتذكر الدكتور عبد القادر دائماً وأدعو له بالرحمة، عدت بعد تخرجي من الجامعة في أمريكا، مارست العمل التجاري موظفاً، لكن لم أتحمس له، رغم أني تخرجت بشهادة في Business adminstration ولكن لم يكن مزاجي في التجارة بل كان دائماً يميل إلى الصحافة، فانتقلت إلى مرحلة بين الاثنتين وهي مرحلة تهامة، مع الأستاذ عبد الإله جدع الذي كان مديراً لي، وتهامة تجمع بين التجارة والثقافة والكتب ولها فضل كبير على الثقافة، وربما تستحق تهامة لذاتها وليس لأشخاصها تكريماً، من تهامة اقتربت أكثر من الصحافة، وعملت مع أستاذي الأستاذ محمد صلاح الدين، في مجال الإعلان، أيضاً كانت تجربة مفيدة لي، وعندما أعود إلى هذه المراحل من حياتي وأذكر فيها أي شاب، هذه كلها أشبه ما تكون بسنوات تأسيسية يدخل فيها الإنسان من دورة تدريبية إلى تعليمية إلى أخرى، من محمد صلاح الدين وتهذيبه الشديد، الذي أنا متأكد أنه أثر فيَّ ورسم لي الطريقة التي أتعامل بها مع الناس، وأن أحتفظ بها دائماً بعلاقات جيدة مع كل الناس، فالأستاذ محمد صلاح الدين هو ذلك الرجل الذي يحتفظ بعلاقات جيدة مع كل الأشخاص وكل التيارات وكل الأسماء، فأعترف أني تعلمت هذا منه وأدين له بالفضل في ذلك، ثم انتقلت إلى "عكاظ" وعملت في مركز المعلومات، وهي مرحلة مهمة وثمينة في حياتي العملية، فهي ليست مهمة تجميع قصاصات صحف ولكنها مع كل قصاصة تبني خبرة وتبني معلومة، تتراكم فيك كصحفي تؤهلك في المستقبل لكي تستخدم تلك المعلومة، طبعاً اختلف الآن العمل في مراكز المعلومات مع الإنترنت، ولم يعد الصحفي إلى تلك القصاصات المزعجة، فهناك "جوجل" توفر لك المعلومات في ثوان، لازلت متلمساً طريقي نحو الصحافة، لم أصل بعد للصحافة ذاتها، عملت في الإعلان في مركز المعلومات، دفعني إلى العمل الصحفي المباشر، العمل التحريري، الأستاذ إياد مدني معالي الوزير حالياً، ومدير عام مؤسسة "عكاظ" في ذلك الوقت في منتصف الثمانينات، كتبت له خطاباً له قصة يتعجب منها بعض الشباب في ذلك الوقت، عندما عدت من أمريكا كنت مبتعثاً على حساب وزارة البرق والبريد والهاتف في ذلك الوقت، وكنا بحاجة إلى واسطة لنحل أنفسنا من ذلك الارتباط، اليوم الشباب يبحثون عن واسطة لكي يحصلوا على وظيفة في الحكومة، في تلك الأيام نبحث عن واسطة لكي نحلّ أنفسنا من وظيفة الحكومة حتى ندخل إلى القطاع الخاص، كان للقطاع الخاص وزن في تلك الأيام، وأعتقد أن القطاع الخاص هو صانع الوظائف وليس الحكومة، ويجب أن نؤمن جميعاً بهذا، وأفضل أن نسميه قطاع الأعمال وليس القطاع الخاص، فكتبت الخطاب للأستاذ إياد فأعجبه الأسلوب، ألقى جانباً بالطلب، وقال أسلوبك جيد في الكتابة لماذا لا تعمل صحفياً، فكنت كمن ينتظر هذه الإشارة، فقلت له على يدك، فدفع بي إلى "سعودي جازيت"، انتهيت مراسلاً في صحيفة "سعودي جازيت"، وأنا سأتحدث بتوسع بسيط عن الصحافة الإنجليزية، وربما أحمد الله أنني بدأت في "سعودي جازيت"، الصحافة الإنجليزية بالفعل صحافة جيدة، أسلوب الكتابة الصحفية أتمنى أن ينتقل إلى صحافتنا، أتمنى من جامعاتنا وكليات الإعلام أن تنقل الطريقة والأسلوب الذي يستخدم في الصحافة الإنجليزية إلى صحافتنا، الصحافة الإنجليزية ممتعة، تبحث عن القصة كاملة، لا شيء كاملاً، ولكن يحاولون أن يأتوا بالقصة بتفاصيلها الكاملة، أول شيء لاحظته في الصحافة الإنجليزية وهو أن رئيس التحرير يقول لك عندك story لا يقول عندك موضوع، يقول قصة، الصحافة الإنجليزية تكتب فيها قصة، وهذا حتى اليوم مفقود في صحافتنا، نحن نكتب خبر تقرير ولكن لا نكتب قصة، لكي أدلل على هذه الإشارة، أريد أن أشير كيف يمكن للصحافة بالأسلوب الذي يدرَّس في كليات الإعلام في بريطانيا أو أمريكا مع أسلوبنا نحن، نأخذ ونحن في الوطن أثرنا قبل أيام، موضوعاً عن المغالاة في الدِّيات وكيف تحولت هذه الديِّات إلى تجارة، وهي قضية لا شك أن الجميع هنا منزعجون منها، عندما نكتبها في الوطن أو في صحيفة أخرى، نكتبها بشكل وعظي، إن هذا لا يجوز، نستفتي المشايخ فيها، ونسترسل في نقل الآراء بينما لو كتبناها بالطريقة التي يكتبها الصحفي الأمريكي والإنجليزي، يبني كل هذه المعلومات حول قصة، يختار قصة شخص مثلاً تعرض إلى حالة قصاص ودية ومن تلك القصة التي يشوق بها القارئ، يبني بها المعلومات الأخرى، هذا الجانب يجب أن ندخله إلى صحافتنا، ويجب أن نتدرب عليه وأن تساعدنا في ذلك كليات الإعلام التي حان الوقت أن تتحول في بلادنا. كليات الإعلام لا تخرِّج صحفيين، ذكرت في الحوار الوطني في أبها قبل أيام بأن عندي في "الوطن" عشرات الصحفيين، بل مئات الصحفيين، عدد خريجي كليات الإعلام اثنان أو ثلاثة، هذا لا يعقل، معنى ذلك أن هنالك المئات في كليات الإعلام لا يرغبون في الصحافة، ولكن وجدوا أنفسهم في الصحافة، لا بد أن تتطور العلاقة ما بين المؤسسات الصحفية وكليات الإعلام، لعمل تحويل حقيقي في الكليات لكي تستطيع أن تواكب الصحافة السعودية التي تطلب مزيداً من العاملين فيها. أعود إلى حكايتي مع الصحافة التي هي رحلة لم تنته ولا أريدها أن تنتهي، فأنا بصراحة مستمتع بها، من "سعودي جازيت" انتقلت إلى الشركة السعودية للأبحاث والنشر، "الشرق الأوسط" وأخواتها، أو بالأحرى "عرب نيوز" وأخواتها، فعرب نيوز هي الأم وبيننا الأستاذ فاروق لقمان أبو "عرب نيوز"، ومؤسسها الحقيقي، الشركة السعودية كانت زحمة عشت فيها عدة سنوات بدون مكتب، وبدون هوية، لم أكن أنتمي إلى أي من مطبوعاتها، ربما كان الشخص الوحيد المقتنع بي هو الأستاذ محمد الشيباني، تركني في الشركة السعودية أعمل للجميع وكنت سعيداً بذلك، بدأت فيها كمراسل اقتصادي متخصص في متابعة أخبار قطاع الأعمال، وجاءت أفغانستان وحولتني بسرعة إلى صحفي متخصص في الحركات الإسلامية، رحلة طويلة أتمنى لو سجلت يومياتي خلالها، وأنا أدعو أي شاب صحفي أن يكون له دفتر يسجل فيه آخر الليل ملاحظاته وذكرياته، مع من التقى ومع من تحدث، ربما يتحول هذا الدفتر إلى مادة ثرية لكتاب يسجل فيه حياته، تمنيت لو وضعت هذا الكتاب، قابلت خلال عملي معظم رجالات الحركة الإسلامية، التقيت مع معظمهم لكن ليس لديَّ صور، لأني لم أكن مهتماً بالصور، أجريت أحاديث مع بعضهم وكانت أحاديث تجرى لأول مرة، أسامة بن لادن كنت أول صحفي التقى به وصوّره، لا أعرف هل هذا يدخل في ميزان حسناتي أو سيئاتي، علي بلحاج أيضاً أول حديث صحفي عملته معه، وأفخر بذلك، معظم الذين التقيتهم كانوا مجرد شباب صغار، يتلمسون طريقهم حتى في حركتهم الإسلامية مثل خالد مشعل الذي كان طالباً ناشطاً في اتحاد الطلبة في الكويت، من أفغانستان إلى السودان إلى الجزائر، بالفعل فترة الثمانينات والتسعينات، كانت فترة حية ونشطة. فقد تعرضت إلى بعض الاشكالات، في الجزائر كدت أن أضرب، أمضيت عدة ساعات في كركون في أحد الأحياء الداخلية في الجزائر، بعض المخابرات شكّ بي واستدعاني وهكذا.. وهذه مسألة يجب أن يتوقعها الصحفي، لا يشتكي منها، هذه كلها تثري الصحفي وتضيف إلى تجاربه وخبراته، تلك الفترة أيضاً شهدت صعود عدد كبير من الصحفيين الذين أستطيع أن أسميهم الإسلاميين، والمتخصصين في الحركات الإسلامية وكانوا ناشئين مثلي، واليوم لهم مواقع جيدة أو مناصب إعلامية جيدة، منهم أحمد منصور في الجزيرة حالياً، أحمد موفق زيدان، أسعد طه صاحب الوثائقي الشهير في الجزيرة، محمد عادل في تركيا، محمد صلاح في مصر، ربما جميع هؤلاء الصحفيين ومنهم أنا يدينون ببعض الفضل للحركة الإسلامية، بخيرها وسلبياتها في تنشئتهم، من الشركة السعودية جاءتني فرصة أول منصب قيادي كمدير تحرير في صحيفة "المدينة"، ومن ثم رئيس تحريرها المكلف، وهنا أريد أعمل مقارنة لعلها مفيدة وصريحة، بين الشركة السعودية للأبحاث والنشر التي تعمل وفق نظام تجاري، بحث أفادها كثير ونجحت به، وهو بين مؤسسة "المدينة" للصحافة والنشر وهي مؤسسة لا تتمتع بالحرية الإدارية، ضعوا جانباً موضوع حرية النشر الإدارية كالشركة السعودية للأبحاث والنشر، وأعتقد أن المؤسسات الصحفية تحتاج إلى هذه الانسيابية التي جعلت من الشركة السعودية للأبحاث والنشر إمبراطورية إعلامية، اليوم الشركة السعودية لديها فائض في اكتتاب مليوني، الرقم كبير جداً ولا تتمتع به المؤسسات الصحفية الأخرى التي سبقتها، لماذا لأن التركيبة الإدارية للشركة السعودية للأبحاث والنشر مكنتها من النجاح بينما التركيبة الإدارية في فترة من الفترات شغلتها حتى بالمنازعات المميتة ما بين المدراء العامين ورؤساء التحرير، وهذه مسألة أضرت بعدد من المؤسسات الصحفية وربما قد تقضي على بعضها، الجيد في تلك التجربة أنني تعرفت على الأمور كما هي على حقيقتها، جربت العمل في شركة مؤمنة باقتصاد السوق، وهي الشركة السعودية للاقتصاد والنشر، وشركة هي خليط بين اقتصاد السوق والاقتصاد الآخر كمؤسسة المدينة، فكانت إفادة ليّ عندما أنتقل إلى عمل آخر، من هنا عدت إلى العمل الميداني، إلى مدرسة صحيفة "الحياة" وأسميها أفضل سبع سنوات في حياتي الصحفية وربما الفضل في ذلك بعد الله، هو الثقة التي كنت أتمتع بها عند رئيس التحرير هناك، يعني كنت في تلك الأيام أسافر في مهمة صحفية دون أن أوقع أي ورقة استئذان، فكنت أسافر حتى إلى أمريكا، دون أن أوقع أي ورقة انتداب، أسافر حتى إلى أمريكا ثم أخبر جهاد الخازن أو جورج سمعان وأقول له أنا في واشنطن سأقابل فلان، أو أنا في باريس لأقابل نائباً جزائرياً فاراً من الجزائر وهكذا.. ولم يكن يعارض لأنه كان واثقاً بأنه كان عندي scope، عندي انفراد (سكوب) أوفره لصحيفته بعد يوم أو يومين، وأتمنى أن هذه الروح تنتقل إلى مؤسساتنا الصحفية، بعد سبع سنوات عدت إلى "عرب نيوز"، لم يكن هناك شيء يذكر سوى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والكثير يذكر ما بعد هذه الأحداث، فهذه الأحداث غيرت الكثير في حياتي وحياتكم، ولا زلنا نعيش تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، هذه الأحداث مكنتني من العمل التلفزيوني، وبدأت أجرب العمل التلفزيوني والكتابة للصحف الأجنبية، الآن الوقت يداهمنا، أنتقل من عرب نيوز إلى جريدة الوطن، والثلاثة والخمسون يوماً الشهيرة والطلاق الذي لم يرده أحد، فكانت الوطن تريد أن تستقر. نجحت "الوطن" بدعم من أميرها أن تعمل ذلك الفارق في الصحافة السعودية، كانت تريد أن تستقر وتستمر في فعلها المؤثر في الساحة، ربما الكلام يكون فلسفياً كيف أن تكون مستقرة وهي متحركة، لعل القول المأثور قليل دائم خير من كثير منقطع، كانت السياسة الجديدة التي تريد أن تصل إليها صحيفة "الوطن"، ولكن لم يحصل هذا الشيء، بعد ثلاثة وخمسين يوماً، ظروف معينة اضطرتني إلى تجربة العمل الدبلوماسي مع سمو الأمير تركي الفيصل وكانت تجربة جداً غنية، فالأمير تركي الفيصل رغم أنه رجل استخبارات ضليع جداً، إلا أنه ممتاز في التواصل، مدرسة في فن التواصل مع الآخرين، كنا ندخل مع بعض إلى حفل وما هي إلا دقائق، إلاّ وتتجمع حوله عشرات السادة والسيدات أيضاً، كان ما شاء الله عنده جاذبية في كل الاتجاهات ويتحدث بشكل سلس مع الجميع، وينقل رسائله، فاستفدت من هذا الفن في التواصل من سمو الأمير، استفدت شيئاً آخر وهو فهم الحكومة، وأعتقد أن الصحفي يحتاج إلى فهم الحكومة، يعني في الفترة الأخيرة مع الانفتاح الذي حصل بدأنا نتشدد في انتقاد بعض الدوائر الحكومية في الصحافة وهذا جيد ويجب أن نستمر في ذلك، لكن يجب أن نفهم الطرف المسؤول في الدولة في وزارة الصحة أو في وزارة الخارجية، عندما يكتب كاتب مقالة ويقول بأن السفارة لم تفعل شيئاً للمواطن الذي جاءها أو كذا أو كذا.. عندما كنت في عملي في السفارة أتحرّى، فأجد أن المواطن زار السفارة، أو أن المواطن لم يتصل بالجهة الصحيحة، دائما هناك سبب، هنا دوري كصحفي يجب أن أنقل وجهتَي النظر وجهة نظر المواطن الذي يشكو، ووجهة نظر المسؤول الذي يشرح ماذا فعلنا لهذا المواطن، عبرت عن قناعتي هذه قبل أسابيع قليلة وحصلت ضجة كبيرة عن موضوع غلاء الأسعار والأرز، وحتى بعض الكتاب استخدموا عبارات عجيبة جداً، كثورة الجياع ونحو ذلك، فكتبت مقالة عنونتها ثقافة روز اليوسف وقلت فيها إننا نعاني من ثقافة غير موجودة بيننا، ولا يجب أن تكون موجودة بيننا وهي ثقافة روز اليوسف، وربطتها بقناعة البعض بأن الدولة مسؤولة عن كل شيء، الخطأ وقع هنا لأننا نحن ككتاب ما قرأنا ولا بحثنا ولم نتصل بوزير التجارة أو وزارة التجارة، لكي نفهم بأن وزير التجارة لا يستطيع مهما أوتي من قوة أن يخفض كيس الأرز، لا يوجد لدينا وزارة تموين، وهناك فرق بين وزارة التموين ووزارة التجارة التي تنظم التجارة، أحاول جهدي في صحيفة "الوطن" أن أكرس هذه الثقافة التي يمكن أن توصف بالموضوعية، ما الذي أريده بعد أن عدت إلى صحيفة "الوطن"، أحاول أن أقدم صحافة فيها موضوعية تعبر عن السعودية الجديدة، أنا أؤمن بأننا نعيش في سعودية جديدة لها تطلعات جديدة، تحولات حقيقية يمكن أن أختصرها في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، أختصر السعودية الجديدة والرؤية الجديدة في تلك الجامعة، يجب أن نكون نحن في صحيفة "الوطن" معبرين عن هذا التحول الحقيقي الحاصل في بلادنا بشكل إيجابي مع إبقاء قدرتنا على أن نكون سلطة رابعة، نعم يجب أن لا نبالغ في ذلك فنحن لسنا سلطة رابعة في المملكة، ولكن نحاول أن نمارس هذا الدور وننبه ونلفت انتباه المسؤول إلى ما يقع حوله من أخطاء ولكن بموضوعية ومصداقية. تجربتي في الوطن خلال الأشهر الماضية، لم يعتب عليّ أي مسؤول إلا عندما يجد ثغرة في القصة الخبرية التي ننشرها، لكن عندما ننشر موضوعاً محكماً بالتفاصيل حتى ولو كان قاسياً، أذكر أننا نشرنا تحقيقاً عن التعديات في جدة، الأمير خالد لم يغضب وإنما عجبه الموضوع، اتصل بيّ وكان شاكراً للموضوع. تحدث أحد الزملاء وأجرى تحقيقاً واسعاً عن تعديات هائلة حصلت في منطقة في الرياض وغريبة جداً وسميناها قرية الخشب، البعض قالوا إن الإمارة ستغضب، ولكن لم يغضب أحد لأن القصة كانت محكمة ومتقنة، كان فيها كل المعلومات، وبالتالي نشعر أننا أفدنا الدولة وقدمنا معلومة للدولة، فالدولة لن تملك إلا أن تشكرنا على هذه المعلومات. المسألة الأخيرة التي أتمناها أعود إليها موضوع تحويل الصحافة إلى حرفة ومهنة حقيقة، لا طريقاً أو ممراً يعبر منها البعض، وبدأت الصحافة تتحول إلى هذا الشيء، المؤسسات الصحفية في المملكة العربية السعودية مؤسسات ناجحة غنية، تحقق أرباحاً هائلة وبالتالي لا بد أن نتوقع أن يكون العاملون فيها محترفين، وهذه المسألة تحتاج إلى عمل تعاوني ما بين الصحف وكليات الإعلام، مرة أخرى كليات الإعلام عندنا حتى الآن لا تخرِّج صحفيين إلا القلائل، يجب أن ينظروا ماذا تفعل كليات الصحافة في أمريكا، وكيف أنها تخرج صحفيين يكسبون جوائز، يؤلفون روايات تباع بمئات الآلاف أو بملايين النسخ، بينما لو عمل فحص في صحفنا وحسبنا كم عدد خريجي الصحافة في مؤسساتنا، أجزم أنها لن تتجاوز العشرة في المائة، فأين التسعون في المائة الأخرى، أشكركم جميعاً أشكر الشيخ عبد المقصود خوجه، أشكر معالي الدكتور رضا عبيد على تكريمهم لي، بالذات أشكرهم على كلمتهم الضافية، وأهلاً وسهلاً بالجميع.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1113  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.