شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حلم الوحدة العربية
وبدأ الحديث عن الشعر والأدب، أذكر هنا أن أوّل معرفتي ولقائي الشخصي بهذا الرجل الوطني، الذي نذر نفسه وما ورث عن أبيه من أملاك ليكون في خدمة الشام وخدمة القضية العربية والدعوة إليها والإيمان بالوحدة، كان في "مكة" فقد وصل إليها عضواً في وفد سوري لعلّي قد أشرت إليه سابقاً يتألّف من جميل بك مردم الوزير السوري، ثم رئيس الوزراء بعد ذلك، والشاعر السوري المشهور شفيق جبري أحد روّاد الأدب في العالم العربي، يومذاك، وقد حضر الجميع حفلة الشاي التي أقيمت في فناء قصر الأشراف "ذوي غالب" في محلة "أجياد" من مكّة، لتكريم وفد الكشافة العراقية من أوائل الثلاثينيات الميلادية، وقد ذكرت خبر تلك الحفلة وخبر البارودي فيها، وقد صحبته يومئذ في بعض جولاته في مكّة ومع زميلي في المدرسة وصديقي الأستاذ هاشم زواوي وصديقي المرحوم محمد سعيد عبد المقصود، وكيف قال لي يومئذ، إنك بحاجة يا بني أن تكمل تعليمك العالي، في إحدى الجامعات في الخارج.
لهذا كان فرحه بخبر التحاقي بالكلية في بيروت يغمر قلبه بالمسرّة، وأزيد فأذكر عن هذا الرجل الذي امتدّت ذكرياتي معه نحو أربعين عاماً حتى توفّاه الله مكسور الجناحين مغلوباً على آماله وطموحه، في أن يرى الوحدة العربية التي حلم بها وغنى لها في أوائل من غنّى، ودعا إليها، وهو صاحب النشيد الوطني المنتشر بين العرب:
بلاد العرب أوطاني
من "الشام" لبغدان
ومن "نجد" إلى "يمن"
إلى "مصر" فـ "تطوان"
إلى آخر الأنشودة التي يحفظها كل المثقفين من العرب بالأمس حتى اليوم. وأتذكّر أنه كان يقيم الشام ويقعدها في عنفوان شبابه بخطبه وكفاحه وصراعه، ودماثة خلقه، وقوّة شكيمته، فقد كان متحلّياً بكل هذه الصفات، ولقد أنشأ في الشام في غرّة الثلاثينيات ما سمّاه بالمكتب العربي، وكان مكتباً للإعلام والمعلومات يستقصي بها كل ما كتب عن الدنيا بالعربية ويلخّصه في ملفات عديدة يجعلها في خدمة الزوّار والقرّاء والطلاب والصحفيين والمؤلّفين.
وأظن أن من كان يعينه على ذلك عدد ممن يتلاقى معه في أفكاره وآماله وطموحه وشعوره، وكان الشيخ بشير السعداوي الزعيم الليبي المولد والوطني وممثل ليبيا يومذاك في إسطنبول، والذي عيّن في أواخر أعوام الحكم العثماني في الحجاز قائم مقام لمدينة "ينبع"، الذي استقرّ به المقام مع أخيه نوري السعداوي في دمشق بعد انحسار الحكم العثماني عن البلاد العربية، فساعد في إنشاء ذلك المكتب وعاون فخري البارودي في أوليات خطواته قبل أن يصبح الشيخ بشير بعد ذلك مستشاراً للملك عبد العزيز آل سعود، حيث بقي في هذا العمل بضع عشرة سنة، استأذن بعدها من الملك عبد العزيز أن يشارك الشعب الليبي في صراعه للاستقلال التام والنهضة ببلاده.
والحديث عن الشيخ البشير لنا عودة إليه إذا جاءت مناسبة، وأذكر أن بين من رأيتهم ذلك المكتب صديقاً حميماً لفخري بك هو الأستاذ فؤاد مفرج، وهو لبناني الأصل من منطقة "المتن" في جبل لبنان، ومن بلدة "برمانا" فيها، وكان أستاذاً في الجامعة الأمريكية في بيروت بعد ذلك، وأحد الأساتذة والشباب المعتزين بعروبتهم المؤمنين بوحدتهم والدّاعين إليها، ولقد عرفته يوم كان في الجامعة، وتصادقت معه وكنت كثير الجلوس معه، ومع صديقه وصديقي أيضاً السيد فخري الشيخ، وهو عراقي وطالب في الصفوف العليا من الجامعة في أواسط الثلاثينيات الميلادية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2273  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 145 من 191
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج