شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ أحمد أبو دهمان))
مساء الخير ـ جئت هذه الليلة لأنحني إجلالاً أمام كل الأسماء التي صنعت من الحجاز ذاكرة للعالمين العرب والإسلامي.
جئت وأنا حجاز اليمن، جئت وأنا عين الحجاز، جئت يا سيدي لأنني أمام أبينا، أمام كل الأسماء التي ناضلت في هذه المدينة في مكة في المدينة المنورة.
للحفاظ على الحجاز كأحد النقاط المضيئة في هذا العالم، النقاط التي أفتخر بها وأباهي بها في كل محفل في فرنسا وخارج فرنسا. في هذه المنطقة المتنوعة الغنية التي لم يعرف قبلها العالم طيلة تاريخه في البداية سأقرأ عليكم نصيّ القبلي.
أنا أحمد بن سعد بن محمد بن معيض بن ظافر بن سلطان بن محمد بن ساعد بن مطر أحمد بن سعيد بن شيم بن خلف بن يعلى بن بشر بن حرب بن سعد بن قحطان بن عافر، كان هذا نص القبيلة منذ ولدت لم أعرف غيره. حفظته قبل أن أحفظ أي شيء من القرآن، كانت القرية تعدنا لنكون صخوراً لنكون سيوفاً وكانت أمي تعدّني لأكون شاعراً، أنقذتني أمي من هذا المسار. وبالفعل سمعت أنني كاتب قصة وصحفي وأديب وغيرها ولكنني أيضاً شاعر وأباهي بهذا. سأسمعكم أولى قصائدي التي اعتقدت أنها ستغير جزءاً من سواد هذا العالم، هي قصيدة شعبية. كتبتها وأنا في جامعة الملك سعود، واحد من أهم مفاتيح قراءة هذا العالم. لا يمكن قراءة ما هو عربي وإسلامي.
قصيدة شعبية.. أقول فيها:
تعانقني بعد غيبة
بعدما طالت الفرقه
وقالت لي.. علامك يا ولد!
تنسى حبايب ما نسو وعدك
ولا خانوك في عهدك
ولا غرتهم الدنيا
ولا لبسوا ثياب الصوف والسمرة
وردت زانت القرية
ونسيتْ كل ما قالت
وردت زانت القرية
وعساكم مطول معنا
وقصّت لي حكاياها
دروب الرعي وأخبارها
وتذكر يوم مشعابي
ومغزلها على الطلحة
ويوماً ضاعت العنزة
أكلها الديب ما ندري
وأنا ما أدري
ونقول هلا هلا الخيره
وقالت كم تذكرتك
ليا ما شفت طياره
وراح طروش للديرة
ولكن ويش الديره
كرهناها
كرهنا الغيم وأمطاره
وما جادت به الديره،
كرهنا كل شيء
نبغي نوجد سحاب أحمر
سحاب أخضر على الديره
ونفسي ما بها رقة
ثقيلة مثل ثقل الليل في الديره
جنوبية.. جنوبية
وصاحتْ..
يو ترى فلانة تقول إنك تصاحبها
وتوعدها وتلقاها..
تضيّع عهدنا.. يا أحمد؟
وقلت لها..
وعهد اللَّه ما خنتك ولا لي نية أخونك
من حق عيونك تحكم فينا الشيمه
وقالت لي من عيوني
ترى بلقاك في الوادي
ليناموا أهل القرية
ولكن لا تفشلنا قبل ما يؤذن الشايب
بقول لك في أمان الله
ـ أعاد نشر هذه القصيدة صديقي المرحوم صالح العزاز عندما وصلت إلى باريس وفُسّرت تفسيرات خاطئة ظللت على أثر هذا في باريس ثلاث سنوات، دون أن أعود، بدأت دراستي الابتدائية في قريتي آل خلف ثم إلى أبها، أبها التي كانت وما زالت مدينة الحب مدينة الحرية كنا نعيش معاً ونغني معاً نغني رجالاً ونساء نغني معاً كل ليلة في أبها سمرا.
كنا نرى البنات على أسطح البيوت والنوافذ وكنا نغني معاً ثم غادرتها إلى الرياض. وفي الرياض عشت خمس سنوات لم أر فيها امرأة كانت لي أخت في الرياض كنت أنتظر على عجل يوم الجمعة لكي أرى أختي، لكي أرى امرأة، غادرت الرياض إلى باريس في شهر أغسطس شهر الحر بعد سنوات من الجوع وصلت إلى تلك المدينة مدينة الحرية تعنيها الكلمة. يومها قبل أن أغادر المملكة على علاقة بكثير من الأصدقاء الكبار الذين صنعونا علمونا الكتابة منهم على يميني ومنهم على يساري ومنهم في الدمام ومنهم في الرياض، أذكر كم كنت أقرأ لهذا الرجل الدكتور عبد الله منّاع وهو يومها رئيس تحرير عكاظ اقرأ. كنت أباهي به كل أسبوع وأتعلم منه، اخترت باريس كنت في باريس من بين عدة دول أوروبية وأمريكا. أخذت باريس الشاعرة باريس العدالة الإخاء ـ الحرية. لم أختر باريس الاستعمارية. ولم أعش باريس الاستعمارية ولم أغن أمام باريس الاستعمارية.
جئت وأنا عربي من هذه الجزيرة التي كنت وما زلت على يقين بأنها واحدة من أهم مفاتيح هذه العالم، ولا يمكن قراءة هذا العالم ولا يمكن قراءة ما هو عربي وإسلامي دون قراءة الجزيرة العربية، ما اكتشفته خلال بحثي في تاريخ الجزيرة العربية وأنا قصة عظيمة بلا تاريخ قصة عظيمة لم تكتب، وليس أكثر بؤساً من شعب بلا تاريخ، يقول أحد الأنثروبولوجيين الفرنسيين إن شعباً بلا أساطير شعب يموت من البرد، علينا أن ننهض لإعادة كتابة تاريخنا، كم حفر عبد القدوس الأنصاري بيديه هذه المدينة. كم حفر آباؤنا إلى جانبه من أجل كتابة جزء من تاريخنا ونجحوا. وما زال الكثير ينتظرنا لكي نصبح شعباً بتاريخ، شعباً ينتظره المستقبل أيضاً، قضيت عشرات السنين في البحث عن تاريخ هذه البلاد لم تكن متعتي الشعرية ولا متعتي في الكتابة توازي متعتي العلمية على الأخلاق، إن لحظة كشف واحدة في تاريخ هذه البلاد تساوي عندي كل ما يحمله لنا هذا النفط، أذكر أحد الأصدقاء الذين اشتغلت على قصصهم هو الأستاذ محمد علوان، كتب قصة قصيرة اسمها شمس الموتى. سألته من أين جئت بهذا العنوان لم يكن يعرف وعندما قرأت في بداية الحملة الوهابية على الجنوب كان الجنوب صوفياً في إحدى القرى أقسم أحد السادة أن يصل إلى القرية قبل غروب الشمس، كان يفصله عنها جبل مرتفع ظل هذا الولي يصعد هذا الجبل، وعندما اقترب من القمة رأى أن الشمس ستغيب فقال لها قفي، فوقفت واصفرّت ومات الولي، صعد أهل القرية بحثاً عن هذا الولي. وجدوه ميتاً ودفنوه وسمّوا قبره قبر الشمس وسمّوا الشمس في تلك اللحظة شمس الموتى. في بلادنا من الحكايات ما يمكن أن يمدنا بأجمل النصوص.
أروي في الحزام بأن هذه البلاد ليست إلا قصيدة، كل حبة رمل في هذه البلاد كانت جزءاً من قصيدة، قصيدة كتبها أجدادنا كتبتها أمهاتنا كتبها آباؤنا، علينا أن نحمل هذا الإرث، علينا أن لا نخجل من هذه البلاد، كم أباهي بكم في فرنسا أقول لهم بأني تعلمت القرآن والكتابة في بلادي. جئتكم فقط لأستخدم لغتكم وإلا ففي بلادي من النصوص ما هو أجمل مما كتبت إلا ما علموتني إياه.. أنا بينكم في هذه الليلة، ولم أكن في حياتي أسعد مما أنا عليه هذه الليلة. شكراً يا سادتي وشكراً يا أستاذ وأنا على استعداد لأي سؤال وأشكركم جميعاً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1018  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 147 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.